محطّات في سيرة سيّدنا نوح عليه السّلام
من إشراقات ليال عشر ذي الحجّة سيّدنا نوح عليه السّلام.
- نقف في ليال عشر ذي الحجّة، مع مدرسة كبرى وقامة رفيعة، تاريخها طويل وثمراتها جمّة.
- سيرة شيخ المرسلين أبي البشر الثّاني سيّدنا نوح.
- نستذكر مسيرة هذا النّبيّ الكريم، وجهاده الطّويل (محطّات في سيرته).
{ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ * إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ * فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }.
نسبه: هو نوح بن لامك بن متشلوح بن أخنوع (إدريس) عليه السّلام من أولاد شيت ابن آدم أبي البشر، بينه وبين سيّدنا آدم قرابه (١٠٠٠) عام .
أهمّيّته: ذكر في القرآن في (٤٣) موضع وهناك سورةٌ كاملةٌ باسمه (سورة نوح)، هو أوّل رسولٍ إلى الأرض، فالنّبيّ هو إنسان من البشر، أوحى إليه الله تعالى بشرع لكنّه لم يكلّف بالتّبليغ، بينما الرّسول هو إنسان من البشر، أوحى إليه الله تعالى بالشّرع لكنه أمر بتبليغه.
مدّة حياته: عاش سيّدنا نوح طويلاً وعَمَّرَ كثيراً، فذكر بعض المؤرّخين أنّه بدأ الدّعوة وعمره (٥٠) سنة، واستمرّت دعوته بنصّ القرآن (٩٥٠) سنة، وقيل مكث بعد هلاك قومه (٣٥٠) سنة.
قومه وموقفهم منه: وكان قومه يعبدون الأصنام وحاول معهم كثيراً.
اتُّهم:
١- بالسّفه والضلال: { إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }.
٢- اتُّهم بالجنون: { فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ }.
٣- بالجدال والافتراء: { قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا }.
٤- هدّدوه بالرّجم: { قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ }.
٥- قابلوه بالسّخرية والتّهكّم: { وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ }، بل كانوا يؤذونه ويضربونه حتّى يغشى عليه.
الحدث الأبرز (صنع سفينة)، وكانت بأمر الله حتّى جاء الموعد المحدّد.
أولاده: كان له أربعه أولاد: سام وحام ويافث وكنعان … أمّا كنعان فالولد الهالك الّذي أوى إلى الجبل، أمّا سام فهو أبو العرب، وحام أبو الحبش، ويافث أبو الرّوم.
انتهاء الطّوفان: بعد أن بقوا في السّفينة (١٥٠) يوم، كانت النّجاة يوم عاشوراء، فصامه سيّدنا نوح شكراً لله وكانت قد استقرّت على جبل الجوديّ في الموصل في العراق.
وفاته: عاش بعدها أعواماً (رأى ابن عبّاس (١٧٨٠)سنة)، ثمّ مات على الأرجح بمكّة المكرّمة ودفن فيها.
نتعلّم من قصّة سيّدنا نوح عليه السّلام
- حمل الدّعوة والصّبر عليها واستخدام جميع الوسائل الممكنه (٩٥٠) سنة ليلاً، نهاراً، أعلنت، أسررت.
- منهج سيّدنا نوح { قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ }: الحوار والعبادة والتّوحيد والتّزكية (التّقوى).
- عقبات في الطّريق { يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ }، شوفة الحال على المدعوّين، هذا ما يخشاه النّاس وهذا ما يحذر منه الدّاعي.
- دائم الدّعاء { قَالَ رَبِّ انصُرْنِي بِمَا كَذَّبُونِ }، { فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ }، { وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِلِينَ }، { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ }، { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً }، فصار مستجاب الدّعوة، الدّعوة القاضية.
- عندها يأتي تأييد ومدد { أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا }، لكنّه لا يأتي إلّا إن تحرّك { اصْنَعِ الْفُلْكَ } { ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ }، ولو شيئاً بسيطاً ضمن المستطاع { وَهُزِّي إِلَيْكِ }، مع أنّها حامل ولا تستطيع.
- جزاء صبره وطول انتظاره: صار أبا البشريّة الثّاني، كلّ البشر من نسل أولاده الثّلاثة.
ولمَ لم يقطف الثّمار في البداية (٩٥٠) سنة { وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ } قيل (٨٠) رجل وامرأة
يعني أول (٩٥٠) سنة صعبين شوي.
{ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا }، { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ } { أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ } ( من لم يشكر النّاس لم يشكر الله )
*موقف وامتحان
{ وَنَادَىٰ نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ }.
{ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ۖ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ۖ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۖ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ۖ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ }.
فنوح سأل ربّه أن ينجّي ولده لأنّ الله وعده بإنجاء أهله وإهلاك الظّالمين وولده من أهله وابنه لم يبارزه الكفر بل وعده بالإيمان، فلمّا بيّن له ربّه أنّه ليس بمؤمن، تبرّأ منه واستغفر عن طلبه الّذي حمله على ذلك الشّفقة والعاطفة الأبويّة والرّحمة كونه نبيّاً، فهو لم يعلم كفره، لذلك قال:{ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي }
قاعدة (١)
{ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ }
من آداب الدّعاء الإجمال في الطّلب: { رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ }، { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ }.
لأن الله غنيّ عن التّفضيل والإيضاح والاقتراحات: ( ولا تعلمني بما يصلحك )، ( علمك بحالي يغني عن سؤالي )، وهذا لا يتعارض مع البثّ والشّكوى والسّؤال ( إسالني ملح طَعامِك )، حتى لا يدخل في التّعدّي { وَلَا تَعْتَدُوا }.
تفصيلات لا فائدة منها، فقال الشّباب: تقول ربّنا يعطي كذا، طيّب بركي مو خير.
قاعدة (٢)
الولاء والبراء
{ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ }، فتبرّأ منه، كذلك سيّدنا إبراهيم { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ }
الصّحابة ضربوا أمثلة رائعة في هذا الموضوع:
- سيّدنا أبو بكر مع أبيه.
- سيّدنا أبو عبيدة مع ابنه.
- سيّدنا مصعب مع أخيه.
- اقتراح سيّدنا عمر في أسرى بدر أن يقتل الرّجل أقاربه.
بشكل عام: { قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }، فلا شيء مقدّم على الله ورسوله والدّين، منّا من يخاف أن يزعل أصحابه، أهمّيّة أن يكون ولاؤنا لله.
قاعدة (٣)
{ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ }
هناك تفسير قرأه الكسائي (عَمِلَ) غير صالح أي أشرك وهناك (عملٌ) غير صالح أي سؤالك له النّجاة، وقيل أنّ الولد (عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) بصفته عمل أو إنتاج، إذن هناك أعمال صالحة وأعمال غير صالحهة، هناك أعمال مقبولة وأعمال غير مقبولة، قد تكون الذّريّة عمل صالح (وولد صالح يدعو له)، بل علامة صلاح الولد إن كان يدعو لوالديه أوّلاً، ومن عوامل صلاح الذّريّة: صلاح الزّوجة، أهل الزّوجة، البيئة المحيطة.
أهمّيّة القبول: امرأة عمران دعت { فَتَقَبَّلْ مِنِّي }، فجاءها الجواب { فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ }.
إبراهيم وإسماعيل كان دعاؤهما { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.