التّربية
المقصود بالتّربية الإيمانيّة:
ربط الولد منذ تعقلّه بـ :
- أصول الإيمان: ونعني بها كلّ ما ثبت عن طريق الخبر الصّادق من الحقائق الإيمانيّة والأمور الغيبيّة.
- وتعويده أركان الإسلام: وتشمل كلّ العبادات البدنيّة والماليّة.
- وتعليمه مبادئ الشريعة: وهي كلّ ما يتّصل بالمنهج الرّبّانيّ من تعاليم وأخلاق وأنظمة وأحكام.
ومن أبرز التّوجيهات النّبويّة في هذا المجال:
- أمره بالفتح على الولد بكلمة لا إله إلا الله
لما روى الحاكم عن ابن عبّاس رضي الله عنهما عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ( افتحوا على صبيانكم أوّل كلمة بلا إله إلا الله )، والسّرّ في هذا … لتكون كلمة التّوحيد وشعار الدّخول في الإسلام أوّل ما يقرع سمع الطّفل وأوّل ما يفصح بها لسانه.
- تعريفه أوّل ما يعقل أحكام الحلال والحرام
لما أخرج ابن جرير وابن المنذر من حديث ابن عبّاس رضي الله عنهما أنّه قال: ( اعملوا بطاعة الله واتّقوا معاصي الله، ومُروا أولادكم بامتثال الأوامر، واجتناب النّواهي، فذلك وقاية لهم ولكم من النّار ).
- أمره بالعبادات وهو في سنّ السّابعة
لما روى الحاكم وأبو داوود عن ابن عمرو بن العاص رضي الله عنهما عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: ( مُروا أولادكم بالصّلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرّقوا بينهم في المضاجع ).
حتّى يتعلّم الولّد أحكام هذه العبادات منذ نشأته، ويعتاد أداءها والقيام بها منذ نعومة أظافره.
- تأديبه على حبِّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وحبِّ آل بيته وتلاوة القرآن الكريم
لما روى الطّبرانيّ عن عليّ كرّم الله وجهه أنَّ النّبي صلّى الله عليه وسلّم قال: ( أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال: حبّ نبيّكم، وحبِّ آل بيته، وتلاوة القرآن، فإنّ حملة القرآن في ظلّ عرش الرّحمن يوم لا ظلَّ إلّا ظلّه مع أنبيائه وأصفيائه ).
ويتفرّع عن هذا:
تعليمهم مغازي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وسير الصّحابة الكرام وشخصيّات القادة العظماء والمعارك الحاسمة في التّاريخ.
- يقول سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه: “بتعليم الطفل القرآن الكريم وأحاديث الاخبار، وحكايات الأبرار، ثمّ بعض الأحكام الدّينيّة”.
- وأشار ابن خلدون في مقدّمته إلى أهمّيّة تعليم القرآن للأطفال وتحفيظه.
- ولقد نصح ابن سينا في كتاب السّياسة بالبدء بتعليم الطّفل القرآن الكريم ليرضع اللّغة الأصليّة وترسّخ في نفسه معالم الإيمان.
تقول إحدى الدّراسات أنَّ:
ـ حصيلة الطّفل الغربيّ اللّغوية تكون في عمر (٣) سنوات (١٦٠٠) كلمة، في حين الطّفل العربيّ حصيلته (٣٠٠٠) كلمة فقط.
وجاء في كتاب الإسلام الثوريّ ( Jason، 1970 )، اعتبر الفرنسيّين والبريطانيّين أنّ قوّة العالم الإسلاميّ في أنَّ الطفل المسلم يحفظ القرآن الكريم حيث فيه قرابة (٥٠٠٠٠) كلمة، ثمَّ ألفيّة ابن مالك في قواعد النّحو وهي عبارة عن (١٠٠٠) بيت من الشّعر.
لذلك قامت فرنسا بإلغاء مبدأ الكتّاب أساساً، في حين اعتمد الإنجليز سياسة إماتة القرآن بتشويه سمعته وصورته بين أتباعه.
والّذي نخلص إليه بعد ماتقدّم:
أنّ الرّسول صلوات الله وسلامه عليه قد اهتمّ بتلقين الولد منذ نشأته أصول الإيمان وأركان الإسلام وأحكام الشّريعة وتأديبه على حبّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وحبّ آل بيته وحبّه لأصحابه والقوّاد والفاتحين وتلاوة القرآن الكريم حتّى يتربّى الولد على الإيمان الكامل والعقيدة الرّاسخة وحبّ الرّعيل الأوّل من الجدود البواسل الأمجاد.
وفي مسؤوليّة التّربية الدّينيّة يرى الإمام الغزاليّ أنّ تعويد الولد خصال الخير أو مبادئ الشّر يرجع لاعتبار قابليّته وفطرته لتعلّم ذلك، فممّا قاله في هذه المناسبة: “والصّبيّ أمانة عند والديه وقلبه الطّاهر جوهرة نفيسة، فإنّ عُوِّد الخير وعُلِّم، نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وإن عُوِّد الشّر وأهمل البهائم شقي وأهلك وصيانته بأن يؤدِّ به ويهذّبه ويعلّمه محاسن الأخلاق”.
وما أحسن ماقال بعضهم:
وينشأ ناشئ الفتيــــان منّا
على ماكان عوّده أبوه
وما دان الفتى بحجى ولكن
يعـــوّده التّديّن أقربوه
في حين تبقى المدراس الأجنبيّة والمعاهد التّبشيريّة، والأساتذة الملحدين والمربّين الأشرار ورفقاء الزّيغ والضّلال، والأحزاب الإلحادية والمنظّمات العلمانيّة اللّادينيّة وكتب الملحدين الّتي تؤثّر في النّاشئ وهو في مرحلة التّشكّل والبناء، والّتي تجعله يتشكّك بحقيقة عقيدته ودينه ويهزأ بتاريخه وأمجاده، هي الخطر الأكبر على عقيدة النّاشئة.
وصدق من قال:
وليس النّبت ينبت في جنان
كمـثل النّبـت في الفــــــلاة
وهل يرجى الأطفــال كمال
إذا ارتضعوا ثدي النّاقصات
هذه التّربية الّتي يلحّ عليها علماء المسلمين، هي تلك الّتي ينادي بها كبار علماء التّربية والأخلاق في الغرب ليتحرّر المجتمع من الميوعة والخلاعة والفجور.
كتب (دستوفسكي) أعظم قصصيّ في عالم الغرب: “أصبح الإنسان متلبّساً بالشّياطين حين هجر الله تعالى”، ويقول الأديب الفرنسيّ الشّهير (فولتير): “لَم تشكّكونِ في الله ولولاه لخانتني زوجتي وسرقني خادمي”.
ويقول الدّكتور (هنري لنك) الطّبيب النّفسيّ الأمريكيّ في كتابه (العودة إلى الإيمان): “فإنّ هؤلاء الآباء الّذين كانوا يتساءلون كيف ينمّون عادات أولادهم الخلقيّة ويشكّلونها في حين ينقصهم هم أنفسهم تلك التّأثيرات الدّينيّة الّتي كانت قد شكّلت أخلاقهم من قبل، كانوا في الحقيقة يجابهون مشكلة لا حلَّ لها، فلم يوجد بعد ذلك البديل الكامل الّذي يحلّ محلّ تلك القوّة الهائلة الّتي يخلقها الإيمان بالخالق وبناموسه الخلقيّ الإلهيّ في قلوب الناس”.
وتقول (سوتيلانا) بنت استالين: “إنَّ السّبب الحقيقيّ لهجر وطنها وأولادها هو (الدّين)، فقد نشأت في بيت ملحد لا يُعَرِّفُ أحداً من أفراده (الرّبّ) ولا يذكره عندهم عمداً ولا سهواً، ولمّا بلغت سنّ الرّشد وجدت في نفسها من غير أيّ دافعٍ خارجيٍ إحساساً قويّاً بأنَّ الحياة من غير الإيمان بالله ليست حياة، كما لايمكن أن يقام بين النّاس أيّ عدلٍ أو إنصاف من غير الإيمان بالله وشعرت من قرارة نفسها أنّ الإنسان في حاجة إلى الإيمان كحاجته إلى الماء والهواء”.
وقد أعلن الفيلسوف (كانت) أنّه لا وجود للأخلاق دون اعتقاداتٍ ثلاثة: وجود الإله وخلود الرّوح والحساب بعد الموت.
وممّا يطالب به المربّون تجاه أبنائهم في موضوع التّربية الإيمانيّة:
- أن يرشدوهم إلى الإيمان بالله وقدرته المعجزة وإبداعه الرّائع، وذلك عن طريق التّأمّل والتّفكّر في خلق السّماوات والأرض وذلك في سنّ الإدراك والتّمييز، وأن ينتقلوا بهم من المحسوس إلى المعقول، ومن الجزئيّ إلى الكلّيّ، ومن البسيط إلى المركّب.
فحين تنصّب الحقائق الإيمانيّة بثبات ورسخ في عقل الصّبيّ، فإنّ معاول الهدم والتّخريب ستواجه صعوبة في محاولتها تغيير مفاهيمه والتّأثير عليه مستقبلاً.
وأوّل هذه الطّرق، قراءة الآيات الكريمة، الّتي تتحدّث عن قدرة الله جلّ وعلا، والتّفكر فيها …
ومن هذه الآيات:
– { أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } سورة الأعراف (١٨٥).
– { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الْأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } سورة الشّعراء (٧).
– { أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } سورة العنكبوت (١٩).
– { أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم ۗ مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى ۗ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ } سورة الرّوم (٨).
– { الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } سورة آل عمران (١٩١).
– { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ۚ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } سورة يونس (٢٤).
– { وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا ۖ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ۖ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } سورة الرعد (٣).
– { يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِّلنَّاسِ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } سورة النّحل (٦٩).
– { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا ۚ وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ ۚ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ } سورة الرّعد (٤١).
– { أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ } سورة الأنبياء (٣٠).
– { أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ (١) يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُونِ (٢) خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٣) خَلَقَ الإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ (٤) وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (٥) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (٨) وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ وَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء لَّكُم مِّنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنبِتُ لَكُم بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالأَعْنَابَ وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَمَا ذَرَأَ لَكُمْ فِي الأَرْضِ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤) وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَارًا وَسُبُلاً لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ (١٨) وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (٢١) إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ } سورة النّحل (١-٢١).
– { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } سورة البقرة (164).
– { فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ } سورة الطّارق (٥-٨).
– { فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤) أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبًّا (٢٥) ثُمَّ شَقَقْنَا الأَرْضَ شَقًّا (٢٦) فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨) وَزَيْتُونًا وَنَخْلا (٢٩) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (٣١) مَّتَاعًا لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ } سورة عبس (٢٤-٣٢).
– { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } سورة فاطر (٢٧-٢٨).
- أن يغرسوا في نفوسهم روح الخشوع والتّقوى والعبوديّة لله ربّ العالمين
فبعد الحديث عن قدرة الله المعجزة وخلقه العجيب وملكوته الهائل وصنعه البديع، لا بدّ للقلب أن يخشع ويهتزّ لعظمة الله، ويستشعر بلذّة العبادة لهذا الإله العظيم، ومن وسائل تقوية الخشوع وترسيخ التّقوى في نفس الولد، ترويضه في سنّ التّمييز على التّخشّع في الصّلاة وتأديبه على التّحزّن والتّباكي عند سماع القرآن الكريم
– { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } سورة المؤمنون (١-٢).
– { اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } سورة الزمر (23).
– { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ ، الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ } سورة الحج (٣٤-٣٥).
– { أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } سورة مريم (٨).
– { أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ } سورة الحديد (١٦).
وهذا ما تعلّمناه من رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم فيما رواه البخاري عن عبد الله بن مسعود أنّه قال: “قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (اقرأ عليَّ القرآن، فقلت يا رسول الله أقرأ عليك وعليك أُنزل ؟ قال: إنّي أُحبّ أن أسمعه من غيري، فقرأت عليه سورة النّساء حتّى إذا جئت إلى هذه الآية { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا } قال حسبك الآن)، فالتفتّ إليه فإذا عينيه تذرفان”.
وعن أبي صالح قال: “قدم ناس من أهل اليمن على أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه فجعلوا يقرأون القرآن ويبكون فقال هكذا كنّا حتى قست القلوب”.
فينبغي تعليم الصّغار هذا الحال، مصداقاً لهديه صلّى الله عليه وسلّم، (اقرأوا القرآن وابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا).
ورحم الله من قال:
قد ينفع الأدبُ الأولادَ في صغر
وليس ينفعهم من بعده أدب
إنّ الغصون إذا عدّلتها اعتدلت
ولا تلين ولو ليّنته الخشب
- أن يربّوا فيهم روح المراقبة لله سبحانه وتعالى في كلّ تصرّفاتهم وأحوالهم
وذلك بتعليمهم وتذكيرهم بأنّ الله سبحانه وتعالى يراهم ويراقبهم ويعلم سرّهم ونجواهم، بل ويعلم خائنة الأعين وما تخفي الصّدور.
ولا بدّ من تعليم الولد الإخلاص لله رب العالمين في كلّ أقواله وأفعاله، وذلك معنى العبوديّة المحضة
ـ { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } سورة البيّنة (٥).
وعن النّبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: ( إنّ الله لايقبل من العمل إلّا ما كان خالصاً، وابتغي به وجهه ).
وقوله: ( إنّما الأعمال بالنّيّات، وإنّما لكلّ امرئٍ ما نوى ).
وترويضه على مراقبة الله في فكره وأفكاره لأن الله يعلم كلّ شيء، ويساعد على ذلك تعليمه خواتيم سورة البقرة لما فيها من توجيهات ربّانيّة، وأن لا يغيب عنه الله بكلّ أحواله.
من هدي النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( أن تعبد الله كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك ).
وكان ذلك نهج الصّالحين، تلقين أبنائهم هذه المعاني منذ صغرهم، كما يروي سهل بن عبد الله التّستريّ، قال: “كنت ابن ثلاث سنين، فقال لي خالي محمّد بن سوار يوماً: يا سهل ! ألا تذكر الله الذي خلقك ؟، قلت: فكيف أذكره ؟، قال: عند تقلّبك في فراشك ثلاث مرّات من غير أن تحرّك به لسانك … الله معي، الله ناظر إليّ، الله شاهدي، فقلت ذلك، ثم أعلمته، فقال: قلها كلّ ليلة إحدى عشرة مرّة، فقلت ذلك، فوقع في قلبي حلاوة، فلما كان بعد سنة قال لي خالي: احفظ ما علّمتُك، ودم عليه، إلى أن تدخل القبر، فإنّه ينفعك في الدّنيا والآخرة، فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت له حلاوة في سرّي، ثمّ قال لي خالي يوماً: يا سهل ! من كان الله معه، وهو ناظرٌ إليه، وشاهده، يعصيه ؟ إيّاك والمعصية فكان بذلك من كبار صالحي زمانه”.
قضايا إيمانيّة
لعظم أمر التّوحيد لم يقبل الإسلام فيه هوادة أو مساومة فشدّد حملته على الشّرك وقرّر أنّه الإثم العظيم والضّلال المبين والذّنب الّذي لا يغتفر، قال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا } سورة النّساء (٤٨).
وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا } سورة النّساء (١١٦).
وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( من مات وهو يدعو من دون الله ندّاً دخل النار ).
إنّ كلّ ذنب يمكن أن يغفره الله بفضله وكرمه إلّا الإشراك بالله تعالى وفي الحديث القدسيّ: ( إنّ الله عزّ وجلّ يقول: ياعبدي ماعبدتني ورجوتني فإنّي غافرٌ لك على ما كان فيك وياعبدي إن لقيتني بقراب الأرض خطيئة ولم تشرك بي لقيتك بقرابها مغفرةً ).
ومن الجدير بالذّكر هنا أنّ الشّرك وعبادة غير الله لا تنحصر في صورة واحدة هي الوثنيّة التّقليديّة الّتي تتمثّل في عبادة إله أو آلهة مجسّمة وإنّ من الأصنام أو الأوثان مايعبده النّاس ويقدّمون له الولاء وإن لم يسمّوه وثناً أو إلهاً أو ربّاً ولم يسمّوا ما يقدّمونه إليه عبادةً ولكنّ العبرة بالمقصد لا بالألفاظ وبالمسمّيات لا بالأسماء، فمن الشّرك أكبر وأصغر ومنه جليّ وخفيّ بل ومنه ماهو أخفى من دبيب النّمل على الصفا.
فعن أبي موسى الأشعريّ رضي الله عنه قال: “خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذات يوم فقال: ( يا أيّها النّاس اتقو هذا الشّرك فإنّه أخفى من دبيب النّمل، فقال له من شاء الله له أن يقول: وكيف نتّقيه وهو أخفى من دبيب النّمل يا رسول الله ؟، قال: قولو: اللّهم إنّا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً لا نعلمه ونستغفرك لما لا نعلم )”.
أمّا الشّرك الأكبر فهو الاعتقاد بوجود إله مع الله وهو الذّنب الّذي لا يغتفر وأمّا الأصغر منه الرّياء وهو يمحق العبادة أو العمل ويُذهِب بأجرها المرجوّ المثوبة والرضوان.
والرّياء درجات وأنواع أما الجليّ منه فهو الّذي يبعث على العمل والعبادة سواء قصد الثّواب أم لا بأن يبتغي المرء بعمله أحداً غير الله تعالى أو يشركه معه فيه،أو أن يبتغي ثناء النّاس وامتداحهم له أو نيل جاه أو حظوة عندهم.
روي عن طاووس قال: “قال رجل: يارسول الله إنّي أقف الموقف أريد وجه الله وأحبّ أن يرى موطني فلم يردّ عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم شيئاً حتّى نزلت هذه الآية: { فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }”. سورة الكهف (١١٠).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشّركاء عن الشّرك ومن عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه )”.
ومن الشّرك والرّياء الخفيّ أن يتقن المرء عمله أو يؤدّي عبادته على أحسن وجه في حضرة النّاس فقط، فعن أبي سعد الخدري رضي الله عنه قال: “خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ونحن نتذاكر المسيح الدّجّال، فقال: ( ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدّجّال ؟، قلنا: بلى، فقال: الشرك الخفيّ أن يقوم الرّجل يصلّي فيزيّن صلاته لما يرى من نظر رجل )”.
ومن علاماته أن يسرّ صاحبه باطّلاع النّاس على طاعته وعمله، فَرُبَّ عبد مخلص في عمله ولكن إذا اطّلع عليه النّاس سرّه ذلك و روّح عن قلبه شدّة العبادة، فهذا السّرور دليل على رياء خفيّ منه.
كان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه يدعو ربه: “اللّهم اجعل عملي كلّه صالحاً، واجعله لوجهك خالصاً ولا تجعل لأحد فيه شيئًا”.
وكان بعضهم يقول: “اللّهم إنّي أعوذ بك من عمل فيه رضاك، أبتغي فيه أحداً سواك”.
ومن الشّرك عبادة الأهواء من مال وجاه ومنصب وما إلى ذلك من الشّهوات، قال تعالى: { أرأيت من اتّخذ إلهه هواه }، وقال رسول الله: ( أبغض إله عُبِد في الأرض عند الله تعالى هو الهوى ).
ولم يكتفِ الإسلام بمحاربة كلّ ألوان الشّرك وأصنافه بل احتاط كلّ الاحتياط، وسدّ كلّ الذّرائع الّتي تفضي إلى الشّرك، كالقسم بغير الله لقول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: ( من حلف بغير الله فقد أشرك ).