التزكية

  • لا بدّ للسّالك من همّة تسيّره وترقّيه وعلم يبصّره ويهديه وهذا العلم يسمّى التزكية.
  • مادّة زكا في اللّغة من النّماء والبركة والتّطهير.
  • وردت في القرآن الكريم نحو (٢٩) موضعاً، دون الزّكاة الّتي وردت (٣٢) موضع.

خطة علم التزكية

من أشهر ما أُلّف في علم التزكية
كتاب (إحياء علوم الدين ) للإمام حجة الإسلام أبو حامد الغزالي رحمه الله.

ونعرف من ترجمة الإمام الغزالي
أنه ألّف هذا الكتاب عقب عزلة طويلة قضاها في المجاهدات والتعبّد حتى فتح الله عليه بهذا العلم العزيز، فألّف هذا السِفر الجليل في ٥ أجزاء مطبوعة.

ثم جاء الامام ابن الجوزي فاختصره في كتاب واحد ليسهل حمله والاستفادة منه وأسماه (منهاج القاصدين).

ثم جاء ابن قدامة المقدسي ليختصر منه البحوث الفقهية و ما وجده اطناباً في موضوعه وأسمى كتابه (مختصر منهاج القاصدين)

فهو مختصر المختصر لكتاب إحياء علوم الدين ، غير أنه حافظ على ترتيبه الأصلي وموضوعاته وأبوابه.

الكتاب مقسّم لأربع أرباع:

الربع الاول : ربع العبادات
الربع الثاني : ربع العادات
الربع الثالث: ربع المهلكات
الربع الرابع: ربع المنجيات

ويحوي الربع الاول (ربع العبادات) على أساس العبادات وأصولها وهي:

باب العلم
باب الطهارة
باب الصلاة
باب الصيام
باب الزكاة
باب الحج
باب القرآن
باب القيام
باب الذكر
باب الأوراد والدعاء

فيُذكر في كل باب الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة والمقولات المأثورة عن أهل العلم والصالحين السابقين.

بدأ المصنّف بباب العلم؛ لأن العلم مفتاح للعبادات، فلا يُعبد الله عن جهل (ما اتخذ الله ولياً جاهلاً، ولو اتخذه لعلمه)

وفضل العالم أعظم من فضل العابد، ولا تكون العبادة الا وفق منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وبدأ بربع العبادات؛ لأن غاية التزكية أن توصلنا الى الحالة الأتقى، لنرتقي الى مقام الاحسان وهو أسمى المقامات.

ولا تزكية ولا ارتقاء دون عبادة، فالعبادة هي الأساس و الوقود للسير الى الله.

فإذا أحكم السالك باب العلم، بدأ بتعلّم العبادات بعدها، ليستطيع تطبيقها (فأنت مسؤول عما تعلم)

فيتعلَّم أسرار الطهارة والصلاة والصيام والزكاة والحج والقرآن والقيام والذكر والدعاء والأوراد، قبل أن ينتقل للباب الذي بعده ويستكمل مشوار تزكيته.

أما الربع الثاني (ربع العادات):

ومفتاح العادات الآداب، وغاية الآداب أن نصل الى الأدب

تعريف الأدب:

قالوا:

اجتماع خصال الخير في العبد، ومنه مأدبة الطعام لاجتماع الناس عليها.

يقول سيدنا علي رضي الله عنه:
“إن الله تعالى جعل مكارم الأخلاق ومحاسنها وصلاً بينه وبينكم، فحسب الرجل أن يتصل من الله تعالى بخلق منها”

الأدب وسيلةٌ الى كل فضيلة، وذريعةٌ الى كل شريعة.

قالوا:

فما خلق الله مثل العقول
ولا اكتسب الناس مِثْلَ الأدب

وما كرمُ المرء الا التقى
ولا حسب المرء الا النسب

وقال يحيى بن معاذ: من تأدب بأدب الله تعالى صار من أهل محبة الله.

وقال ابن المبارك: نحن الى قليل من الأدب أحوج منا الى كثير من العلم.

ويقول: من تهاون بالأدب عوقب بحرمان السنن، ومن تهاون بالسنن عوقب بحرمان الفرائض، ومن تهاون بالفرائض فهو على خطر عظيم.

وهناك أدب مع الله، وأدب مع رسوله، وأدب مع الخلق

والانبياء يعلّمونا الأدب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أدبني ربي فأحسن تأديبي)

ومن نماذج أدب الأنبياء:

سيدنا عيسى حين يقول: ((إن كنتُ قلتُه فقد علمتَه)) ولَم يقل: لم أقل.

وسيدنا ابراهيم حين قال: ((الذي خلقني فهو يهدين، والذي يُطعمني ويسقين، وإذا مرضتُ فهو يشفين)) فنسب المرض لنفسه لا لربه.

وسيدنا الخضر قال: ((فأردتُ أن أعيبها)) بالمقابل قال: ((فأراد ربك أن يبلغا أشدهما))

فالأنبياء مربّون، وصدق من قال: “لولا المربي ما عرفت ربي”

والربع الثالث (ربع المهلكات):

ومفتاحه الرياضات ومجاهدات النفس

لذلك بدأ بكسر الشهوتين، شهوة البطن والفرج

لتكون مجاهدتهما بوابة لمجاهدة بقية المهلكات، لذلك يلزم المريد في بداية سلوكه أن يعتاد الجوع لتضعف نفسه وتذبل قواه

وتذكر حين تجوع:

تذكر كيف جاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في حصار الشِعب.

كيف قال: ما كنّا نأكل الا ما يواريه إبط بلال.

كيف أكل سيدنا سعد من شدة جوعه قطعة جلد ميتة كان قد بال فوقها.

تذكر كيف قالوا: لم يشبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث أيام متتاليات.

تذكر كيف قال سيدنا عمر: ما شبعنا حتى فُتحت خَيْبَر، وكان فتحها ٧ هـ

تذكر كيف خرج من بيته في حرّ الظهيرة، فلقي رجلين من أصحابه فقال له: ما أخرجك؟ فقال ما أخرجني الا الجوع، وكشف عن بطنه وقد ربط حجراً على بطنه، فقال رسول الله: ما أخرجني الا الذي أخرجكما، وكشف عن بطنه وقد ربط حجرين.

تذكر أنه عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل له جبال مكة ذهبا
فقال: (آكل يوماً فأشكر، وأجوع يوماً فأصبر)

فالنبي الكريم اختار حال الجوع لأنها أنفع، وعنه أخذها علماء التربية والسلوك

فقالوا: إن الجوع يصفّي الفؤاد ويميت الهوى ويورث العلم الدقيق.

وقالوا: عليك بالجوع فإنه مذلّة للنفس، و رِقّة للقلب، وهو يورث العلم السماوي.

وقال أحد المربّين: ما أخذنا الطريق عن القيل والقال، ولكن عن الجوع، وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات.

وقالوا: الجوع سحاب فإذا جاع العبد مُطر القلب الحكمة.

وسئل أحد العارفين: بأي شَيْءٍ وجدت المعرفة؟ قال ببطن جائع

ورحم الله من قال:
يا خادم الجسم تسعى لخدمته
أتطلب الربح منا فيه خُسران

أقبّل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان.

وأخيراً الربع الرابع (ربع المنجيات):

لتتكامل شروط التزكية وأركانها (التخلية ثم التحلية) فتحصل الترقية المطلوبة

وبدأ بباب التوبة فهي أولى المحطات وأهم المقامات

وأهمها الخوف والرجاء

وأعظمها الأُنس والشوق والمحبة

وختامها التفكر وذكر الموت ومراحل الآخرة

ليختم كتابه النفيس بباب حسن الظن بالله بعد ذكر الموت

لتكون رسالة الكتاب ان من سار على هذا المنهج يصل الى رحمة الله ويُكرم بحسن الخاتمة ان شاء الله

أركان التّزكية:

  1. التّطهّر (التّحلية).
  2. التّحقّق: تحقيق مقامات الإيمان واليقين.
  3. التّخلّق (التّحلية): إنّما العلم بالتّعلّم والحلم بالتّحلّم، ومن يتحرّ الخير يعطه ومن يتّق الشّرّ يوقه.
  4. التّرقية: بصيرةٌ تهديه وهمّةٌ ترقّيه، التّقدّم والسّبق إنّما هو بالهمم وصدق الرّغبة، فعلوّ الهمّة وصحّة النّيّة مع العمل القليل يسبق كثير العمل.

ما يعين عليها:

  • تذكّر الفوز الحقيقيّ والسّبق المطلوب {فمن زحزح عن النّار} {وسارعوا إلى مغفرة} {والآخرة خيرٌ وأبقى}.
  • التّخلّص من الأحمال {يا أيّها الّذين آمنوا ما لكم إذا قيل انفروا}.
  • ترك التّلفّت إلى الوراء، كحال الذّئب والغزال.
  • الصّحبة الصّالحة.
  • الدّعاء والاستعانة (اللّهم أعنّي على ذكرك).
  • تعاهد الإيمان وتجديده.
  • تنويع الأعمال.
  • الإكثار من ذكر الموت والجنّة والنّار.
  • الحرص على زيادة الأعمال.

أهداف المجاهدة:

  • التّقرّب إلى الله بالطّاعات.
  • البعد عن المعاصي.
  • تغليب الحسنات على السّيّئات.
  • الإكثار من العمل الصّالح وفعل الخير.
  • استغلال الوقت بما ينفع.
  • المحاسبة والمراقبة والمشاركة.

لا بدَّ من:

  1. قومة ويقظة {قل إنّما يعظكم الله بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى}.
  2. المسارعة إلى الخير.
  3. اغتنام الفرص.
  4. الإكثار من النّيّة الصّالحة (ما ضعف بدنٌ قط عن نيّة) (يا بنيَّ انوِ الخير فإنّك لا تزل بخير ما نويت الخير).
  5. الزّيادة في أعمال الخير (وقد سبق في هذه الأمّة من كان لو يعلم أنّ غداً موته ما استطاع أن يزيد من عمله).

موضوعات التّزكية:

  • الولاية.
  • المحبّة.
  • الحسد.
  • التّقوى.
  • الرّضا.
  • الكبر.
  • الصّبر.
  • اليقين.
  • الغضب.
  • الزّهد.
  • المراقبة.
  • الحرص.
  • الورع.
  • المحاسبة.
  • الشّهوة.
  • الصّدق.
  • التّوبة.
  • البخل.
  • الخوف.
  • الرّجاء.
  • الإخلاص.
  • الحياء.

المنهج العلميّ:

  • الصّحبة.
  • البحث عن الوارث المحمّديّ.
  • أخذ العهد.
  • العلم.
  • الذّكر.
  • الخلوة.
  • مقامات الدّين.

الثّمرات:

  • الحبّ الإلهيّ.
  • الكشف.
  • الإلهام.
  • الكرامات.