الصفات السلبية:
يتصف واجب الوجود بخمس صفات تنفي عنه ما لا يليق به، وتسمى بالصفات السلبية، وهي: القدم، المخالفة للحوادث، القيام بالنفس، البقاء، الوحدانية.
هو عدم افتتاح الوجود، أو عدم أولية الوجود، والله سبحانه وتعالى لا أول لوجوده.
- القدم الزماني: أي طول المدة، مثال: بناء قديم، أي مضى على بنائه زمن طويل.
- القدم الإضافي: أي سبق الشيء في الوجود لشيء آخر، كقدم الأب بالنسبة للأبن.
- القدم الذاتي: أي عد افتتاح الوجود، أو أولية الوجود وهو المراد بحق الله تعالى، أي أنه لا أول لوجوده وأن وجوده غير مسبوق بعدم.
الدليل:
لو كان لوجود الإله أول لاحتاج إلى محدث ومحدثه يحتاج إلى محدث وهكذا، إما أن يتسلسل إلى غير نهاية وإما أن يرجع إلى الأول، وكل من الدور والتسلسل مستحيل، إما استحالة الدور فلما يترتب عليه من التناقض والتهافت.
دليله العقلي :
وهو أن الله تعالى لو لم يكن قديماً لكان حادثاً، وافتراض الحدوث في الخالق يعني أنه قابل للزوال والعدم، ويلزم منه أن العدم أصل الوجود وهذا مستحيل، فإذا استحال كونه حادث ثبت ضده وهو أنه قديم، وهو واجب الوجود.
إذا الموجودات كلها حادثة تفتقر بصفاتها إلى من يوجدها، ومن كان وجوده واجباً كان مؤثراً في غيره، غير متأثرٍ بسواه، وكان وجوده أولياً، سابقاً في الوجود كل الموجودات من غير سبق عدم، وقد يصعب على العقل تصوّر على هذا المعنى تحليلاً وكيفاً، لكن ذلك لا يقدح في صحة الإيمان، فمن السهل أن نفهم صفة الرحمة عند الله كما نفهمها في صفة القدم مثلاً، لأننا لا نحتفظ في أذهاننا بصور عن ذلك.
وكون أن ما يجهله العقل أو يعسر عليه فهمه لا يعني بالضرورة أنه معدوم، فنحن نعلم أن أمواج اللون البنفسجي تحدث بسرعة 60 ألف موجة في البوصة (2.54 سم)، وهذا ثابت ثبوتاً عقلياً لا ريب فيه، لكن لا يستطيع مهما أرهقوا خيالهم تصوّر هذه السرعة الهائلة في هذه المساحة الضئيلة.
هو عدم الافتقار إلى محل أو إلى مخصص (موجد)، أي أن الله سبحانه وتعالى ليس بصفة – كما تدّعيه بعض فرق النصارى والباطنية – بل هو ذات، فهو سبحانه وتعالى قائم بنفسه، مستغنٍ بذاته عما سواه.
الدليل :
إن الله تعالى متصف بصفات المعاني – كما سيأتي – وهي صفات ذات، لأن الصفة لا تتصف بالصفة، وذاته ليست كذوات الكائنات، فلا تحتاج إلى من يخصصها بالوجود بدل العدم، لأنه سبحانه ذات قديمة باقية – كما تقدم برهان ذلك في القدم والبقاء -، وذوات الكائنات حادثة فانية – كما تقدم في مبحث الوجود -، وعليه وجَبت له القيام بالنفس، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد).
ولو افتقر إلى موجود لكان حادثاً – وهو باطل كما تقدم -، ولو احتاج إلى محل يقوم به أو موجود يوجده لكان من الواجب أن يكون كل شيء موجود قبله ولا يكون مخلوقاً له – وهذا ما تم بطلانه سابقاً كذلك -.
فثبت وجوده تعالى من ذاته أي لا علّة لوجوده، وهكذا تثبت هذه الصفة بالدليل القاطع، ولو عجز العقل عن فهم حقيقتها وكيفيتها على النحو الذي يدرك فيه بقية صفات الحوادث.
وعليه، من أسمائه الحسنى وصفاته العلُى:
- الصمد: الذي لا يحتاج إلى شيء ويحتاجه كل شيء، قال تعالى: (اللَّهُ الصَّمَدُ).
- القيوم: الحي القائم بنفسه، المقيم لغيره، قال تعالى: (اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ).
- الغني: الذي استغنى عن الخلق فليس بحاجةٍ لهم، وهم بحاجته، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيد).
هي عدم المماثلة لشيء من الحوادث، أي لا نظير (المساوي في أغلب الوجوه)، ولا شبيه (المساوي في بعض الوجوه)، ولا مثيل (المساوي في جميع الوجوه) له سبحانه، لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
ثبت أن العالم – وهو ما سوى الله – منحصر في الأجرام والأعراض، وكل من في الأجرام والأعراض قد قام الدليل على حدوثها، ووجودها بعد العدم – كما تقدم في دليل الوجود -.
وقد ثبت أن الله تعالى قديم لا أول لوجوده، وباقٍ لا آخر لوجوده، اي لا يسبقه قدم ولا يلحقه عدم، فإذن يجب له تعالى أن يكون مخالفاً لجميع الحوادث؛ لأن كل الحوادث يجب لها العدم السابق ويجوز عليها العدم اللاحق، والله تعالى يجب له القدم والبقاء، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
فلا يمكن أن يكون للخالق سبحانه زوجة وأولاد، أو أن يكون بحاجة إلى طعام أوشراب أو أن يحتاج إلى النوم، أو إلى مكانٍ يوجد فيه، أو زمانٍ يجري عليه، فلا شيء يماثله، بل ذاته فوق أن تدرك أو أن تُحد، “فكل ما يخطر ببالك فالله غير ذلك”.
والمشابهة للحوادث تستلزم النقص بصورة أو بأخرى، وهو عكس ما تجب للخالق من كمال في كل شيء، وقد يماثل الإنسان الله تعالى في بعض الصفات، كالعلم والإرادة – كما سيأتي – لكنها مماثلة من حيث التسمية والظاهر فقط لا من حيث الجوهر – وسيأتي بيان في ذلك إن شاء الله -.
وعليه، من أسمائه الحسنى وصفاته العلُى:
- السلام: الذي سَلِمَ من كل عيب في ذاته وصفاته وأفعاله وبريء من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين.
- القدوس: صيغة مبالغة على وزن (فعول)، وهي من القدس، أي الطهارة، فهو الطاهر من العيوب، المنزه عن الأفراد والأولاد، وعن كل النقائص التي لا تليق بكماله، قال تعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ).
- الغني: مأخوذ من الغنى، وهو عدم الحاجة إلى شيء وما عداه تفتقر إليه.
- الواجد: الغني الذي لا يحتاج إلى شيء.
- المتعالي: المتنزه عن النقائص.
- الصمد: لأن من بعض معانيه أنه لا يُطعم، فهو مخالف لمخلوقاته من الحوادث الحية التي تحتاج إلى الطعام لبقائها على قيد الحياة المقدّر لها.
- الأول، الآخر، الباقي: فهو مخالف للحوادث التي تحتاج إلى بداية ونهاية وبقاء، فهو الذي لا يحتاج إلى البداية ولا إلى النهاية، وهو الباقي الذي لا يُفنى.
ورد في القرآن الكريم والسنة الشريفة، آيات وأحاديث ثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، توهم بظاهر ألفاظها مشابهة الخالق سبحانه لخلقه في بعض صفاتهم، وكان هذا الموضوع أثار جدل كبير بين الفرق الإسلامية قديماً، كقوله تعالى:
- (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا).
- (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ).
- (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ).
- (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا).
- (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى).
وكقول النبي صلى الله عليه وسلم:
- (إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ يقلّبهاكَيْف يَشَاءُ).
- (لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حَتَّى يَضَعَ رَبُّ الْعِزَّةِ فِيهَا قَدَمَهُ، فَتَقُولُ قَطْ قَطْ وَعِزَّتِكَ، وَيُزْوَىبَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ).
- (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الأخيرُ).
وكم حاول المسلمون استكشاف هذه المعاني فلم يرجعوا إلّا بالحيرة، كما قال أحدهم:
نهاية إقدام العقول عقَالُ .. وآخر سعي العالمين ضلال !
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا .. سوى أن جمعنا فيه قيل وقَالوا
وكم من جبال قد علا شُرُفاتها .. رجالْ فبادوا والجبال جبال
فلا لوم في ذلك ولا غرابة، فآيات الله الكريمة – كما بيّن سبحانه – فمنها ما هو صريح اللفظ، واضح المعنى، سمّاها الله تعالى: (آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ)، ومنها ما هو غير واضح المعنى، وتوهم بظاهرها، على ما قامت الأدلة بنفيه، أسماها تعالى: (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ).
وقد وقفت الفرق الإسلامية من ذلك مواقف منها :
- منهم من أراد أن ينفي عن الله تعالى مدلولات الألفاظ أساساً، فعطّلوا صفات الله المتعلقة بها، فقالوا: هو لا يتكلم ولا يسمع ولا يبصر، لأن ذلك لا يكون إلا بجارحة من الجوارح، وهذا ما لا يليق معه من باب التقديس، وعرفوا بالجهمية.
وبذلك صاروا كما قال السلف الصالح : ” المعطّل يعبدُ عدماً .. والمشبه يعبدُ صنماً “.
- أما مذهب السلف، وهو ما كان عليه أهل القرون الثلاثة الأولى (الصحابة والتابعون وتابعوهم) الموصوفون بالخيرية كما في الحديث المعروف، فسلكوا مذهب التفويض، والمراد به صرف اللفظ عن ظاهره المحال على الله تعالى مع عدم التعرّض لبيان المعنى المراد منه، بل يفوّض علمه إلى الله تعالى، فقالوا نؤمن بالمتشابه من الصفات كما وردت في الآيات والأحاديث، ونترك بيان المقصود منها لله تبارك وتعالى.
فهم يثبتون الوجه واليدين والأعين والاستواء على العرش والنزول إلى السماء الدنيا، وكل ذلك بمعانٍ تليق بجلال الله وعظمته، ويكلون الإحاطة بمعانيها لله تعالى مع قطعهم بانتفاء المشابهة بين الله تعالى وبين مخلوقاته.
فهم بين التعطيل والتمثيل، فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا ذاته بذوات خلقه، ولا ينفون عنه ما وصف به نفسه، فيعطلّون أسمائه الحسنى وصفاته العليا.
لذلك نجد السيدة أم سلمة – رضي الله عنها – حين سُئلت عن (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، قالت: (الكيف غير معقول، والاستواء غير مجهول، والإقرار به من الإيمان، والجحود به كفر)، وكان الإمام أحمد يقول: (استوى كما أخبر، لا كما يخطر للبشر)، وأحسن ما يُقال في هذا المقام، ما قاله الإمام الشافعي – رحمه الله -: (آمنت بكلام الله على مراد الله، وبكلام رسول الله على مراد رسول الله).
وقد عاش الصحابة والتابعون وتابعوهم وهم لا يسألون ما قدمه ؟ وما عينه ؟ وما استواؤه ؟ وكيف نزوله ؟ فقد هُدوا إلى أن العقل لا يستطيع أن يدرك كنه صفة من هذه الصفات.
- أما الخلف، وهم من كانوا من أهل العلم بعد نهاية القرن الثالث للهجري، فذهبوا إلى التأويل، أي حمل اللفظ على خلاف ظاهره مع تأويله تأويلاً تفصيلياً، وحملوا الألفاظ على معانٍ مجازية، تسوغ في اللغة العربية وتليق بالله عزّ وجلّ، ففسروا:
- المجيء بـ: مجيء أمره وقضائه.
- والاستواء بـ: تسليط القوة والسلطة.
- واليد بـ: القوة والكلام.
- والعين بـ: العناية والرعاية.
- والقدم بـ: الردع والقمع.
فيكون قد اتفق السلف والخلف عى أصل التأويل ونفي التعطيل، إلّا أن الخلف زادوا تحديد المعنى بلجوئهم إلى التأويل التفصيلي، بينما وقف السلف عند التأويل الإجمالي.
كمثال، نعتمد قوله تعالى: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي):
- قال السلف: إن له عيناً ليست كأعيننا.
- وقال الخلف: إنما هي الرعاية والحفظ.
فكلا الفريقين وافق على تنزيه الله تبارك وتعالى عن مشابهته لخلقه، وأن مراد ألفاظ النصوص غير ظواهرها، لكن اختلفوا على أسلوب التنزيه، وهو خلاف هيّن لا يستحق ذلك الجدل.
فمن تتبع مذهب السلف -رضوان الله عليهم – فهو أسلم وآمن، والله أعلم، ولا نعتبر تأويلات الخلف توجب الحكم عليهم بالفسق أو الحاجة للجدال العقيم الذي دار عبر العصور، إذ أن مذهب الخلف كان المصير الذي لا بدّ منه بسبب نشوء المذاهب الفكرية واتساع حلقات البحث العلمية، وظهور فرق كالجهمية والمشبّهة والزنادقة الذين لا يقيهم منهج التسليم.
- رؤية الله سبحانه وتعالى :
هي من المسائل التي دار عليه خلاف بين أهل السنة والمعتزلة لأنها لم ترتبط بأدلة قطعية جازمة كما بقية أدلة العقيدة، فانقسموا في إمكانية الرؤية إلى فريقين:
- الفريق الأول (المعتزلة): قالوا أنه ليس من الممكن رؤية العباد لربهم مطلقاً، لأن العقل يحكم باستحالها، فالرؤية هي انطباع صورة المرئي في الحدقة، وإنحصار المرئي في مكان (الحدقة)، يعني أنه في جهة قبال الرائي، والله سبحانه منزه عن ذلك.
واستدلوا بقوله تعالى: (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ)، فقالوا: أن الله نفى أن يدركه أحدٌ بالبصر، والإدراك بالبصر هو الرؤية.
ودليل آخر، أن موسى – عليه السلام – حين طلب رؤية الله سبحانه وتعالى، قال له: (قَالَ لَنْ تَرَانِي)، وقد علّق الرؤية على مستحيل في الواقع (استقرار الجبل مكانه)، فقال الزمخشري – وهو من المعتزلة -: (لَنْ) تفيد النفي المؤبد، فالرؤية عندهم منتفية في الدنيا والآخرة.
- الفريق الثاني (أهل السنة والجماعة): ذهبوا إلى أن رؤية الله من الممكنات، فالرؤية قوة يجعلها الله في الإنسان متى شاء وكيف شاء فيُرى المرئي على حقيقته، وردّوا على المعتزلة بشأن آية (لَّا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ) أن الإدراك ليس مجرد رؤية، بل رؤية تكون على وجه الإحاطة، فالمنفي هو الإحاطة وهو الأخص، ولا يلزم نفي الأخص نفي الأعم، فنحن نرى السماء ولا نحيط بها.
ودليلهم على جواز الرؤية من قصة موسى – عليه السلام -: أن موسى سأل ربه رؤيته، ولو كانت مستحيلة لما سألها، وإلّا كان ذلك جهلأ منه بربه، خطأ في تصوره، وهو يتنافى مع عصمة الأنبياء.
وأن موسى لم يسأل ربه الرؤية، إنما سأله الإراءة، فهو يعلم أنه لا يستطيع بحاله الحالية أن يراه، لذلك جاء الجواب (قَالَ لَنْ تَرَانِي)، وليس (لن أُرى)، فالمانع من جهة موسى أن طبيعته الكونية ليست معدّة لذلك، كما أن الله تعالى علّق الرؤية على أمر ممكن، وهو استقرار الجبل مكانه، والمعلّق على ممكن ممكن، فالرؤية ممكنة وليست مستحيلة، و(لَنْ) تفيد مطلق النفي لا التأبيد، ولو كانت للتأبيد فهي في الدنيا فقط.
فالمعتزلة نفوا حصول رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا والآخرة، أما أهل السنة والجماعة فقالوا – كما مر سابقاً – بحصول الرؤية في الآخرة، لكن واختلفوا هل تقع في الدنيا أم فقط في الآخرة.
- ذهب فريق من العلماء وعلى رأسهم ابن عباس – رضي الله عنهما – إلى جواز رؤية الله سبحانه وتعالى في الدنيا، بدليل ما وقع للنبي الأكرم صلي الله عليه وسلم ليلة المعراج، وما كان معجزة لنبي يمكن ان يكون كرامة لولي.
- وذهب فريق آخر وعلى رأسهم السيدة عائشة – رضي الله عنها- أن رسول الله لم يرَ ربه ليلة عُرج به، فروي عنها أنها قالت: (مَنْ حَدّثَك أَنَّ مُحَمَّدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذُب لكنه رأى جبريل) رواه البخاري.
والتوفيق بين ذلك كما يقول الحافظ ابن حجر العسقلاني (شارح صحيح البخاري): (أن السيدة عائشة تنفي (رؤية البصر)، والشيء الذي يثبته ابن عباس (رؤية القلب)).
أما أدلة وقوع الرؤية في الآخرة فقد ثبت في :
قوله تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ *إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)، وقوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ)، قال جمهور المفسرين أن الحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجهه الكريم.
قوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه البخاري: (إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تُضامون في رؤيته)، وقوله: (بعد أن يدخل أهل الجنة الجنة، يزيدهم ربهم، فيكشف الحجاب، فما أُعطوا شيئاً أحبُ إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل).
فقد أجمع الصحابة -عليهم رضوان الله- وعامة المسلمين (عدا المعتزلة) على وقوع الرؤية في الآخرة لصالحي المؤمنين، لذلك تعلّق آمال الصالحين برؤية ربهم ولا يمنّون أنفسهم بغير ذلك النعيم.
هو عدم آخرية الوجود، فالله تعالى هو الذي لا آخر لوجوده، فيمتنع لحوق العدم والفناء بذاته سبحانه وتعالى.
الدليل: لأنه لو كان له سبحانه آخر لجاز عليه العدم، ولو جاز عليه العدم لاستحال عليه القدم، لأن الجواز إذا ثبت، ثبت سابقاً ولاحقاً، لكن القدم أحال سبق العدم، فانتفى جواز العدم مطلقاً، قال تعالى: (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ۚ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )، فلا يتصوّر وجود شيء قبله يحدّه سبحانه، لمنافاة ذلك لكماله المطلق، ولا يتصوّر أن يلحقه العدم لكمال ألوهيته، فهو سبحانه أزلي أبدي.
وهي صفة لا مقياس لها في الخيال – مثل القدم – وإن كان في العقل دليل ثبوتها فمن المستحيل على العقل أن يستطيع تخيّل تصورها وفهم حقيقتها.
كما أن بقاء الله تعالى لا يقارن بزمان، وهكذا سائر الصفات، فالزمان اقتران بحادث (كحركة الكواكب)، وهو ما لا يليق بالله تعالى، فهو قديم ليس له أجل بخلاف بقاء غيره المخالط بالعدم المقرون بالزمان.
وعليه، من أسمائه الحسنى وصفاته العلُى:
- الآخر: وهو الذي ليس بعده شيء ولا آخر لوجوده والباقي إلى ما لا نهاية، قال تعالى: (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ).
- الباقي: هو دائم الوجود الذي لا يقبل الفناء ولا يلحقه العدم، قال تعالى: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ).
- الوارث: فهو في بعض معانيه الباقي بعد فناء الموجودات.
هي عدم التعدد، أي أن الله واحد لا ثاني له في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله.
- وحدة الذات: انتفاء وجود ذاتٍ أُخرى كذاته سبحانه، وانتفاء الكثرة عن ذاته، فتنفي أن يكون الله مركباً من أجزاء، أو أن يكون له شريك.
- وحدة الأفعال: تنفي أن يكون لأحد فعل كفعله سبحانه وتعالى من خلق أو رزق أو إحياء أو إماتة، وتنفي أن يعينه أحد أو أن يساعده في فعل من الأفعال.
- وحدة الصفات: تنفي أن يكون لأحد صفات كصفاته سبحانه وتعالى فليس لأحد قدرة كقدرته، أو علم كعلمه، إلى غير ذلك، لإنتفاء أن يكون له صفتان متماثلتان أو من جنس واحد يتمم بعضها بعضاً، بل له قدرة واحدة يقدر بها على جميع خلقه، وله علم واحد لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، ويراد بها انفراده تعالى بإيجاد جميع الكائنات.
دليل أنه واحد :
لو كان إلهان اثنان فإمّا أن يتفقا أو أن يختلفا، والإتفاق إما أن يكون واجباً، وإما أن يكون جائزاً.
ولا يكون واجباً لأن قدرة الله يجب ان تكون عامة لسائر الممكنات، والإله من خصائصه أن يتصف بنهاية التكبّر ونهاية التجبّر، فلو كان الموصوفان فيما تقدم قد اتفقا على أن يكون لأحدهما الأرض وللآخر السماء، أو لأحدهما الإنسان والحيوان وللأخر الجماد والنبات، فإن كان هذا الاتفاق واجباً ولا يمكن لأحدهما أن يخالف الآخر، فيكون الإله مقهوراً مجبوراً ذليلاّ.
وقد تقدم أن الإله قدرته عامة، وسيأتي أنه مريد مختار، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فإذن لا يمكن أن يكون الاتفاق واجباً، وإذا كان الاتفاق جائزاً، فكما يقال: “كلما جاز الاتفاق جاز الاختلاف”.
دليل الاختلاف :
أنه لو كان إلهان واختلفا، فهذا يريد إيجاد العالم، وهذا يريد إعدامه، فإن نفذ مرادهما فقد اجتمع النقيضان (وجود العالم وعدمه)، وهذا مستحيل، وإن لم ينفذوا مرادهما لم يوجد شيء من هذا العالم، وقد وُجد. وإن نفذ مراد أحدهما ولم ينفذ مراد الآخر فالذي نفذ مراده هو الإله، والذي لم ينفذ مراده مقهور مجبور ذليل مخلوق غير خالق.
دليل وحدانية الذات :
تتضح بشدّة من خلال انتظام هذا الكون الفسيح ودقة صنعه، برغم ما فيه من خلائق وعوالم، فإنها تجري بنسق مطرد دون خلل أو اضطراب في وحدة نظام وترابط تام، وهذا أكبر دليل على أن الخالق المهيمن على الكون كله واحد، ولو كان متعدداً لتباينت قوانين الكون ولتعارضت، وانتهى أمر الكون لصدام وفساد.
وقد ورد هذا البرهان في القرآن الكريم، بقوله تعالى: (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَٰهٍ ۚ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَٰهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)، وقوله: (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا * سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا)، وقوله: (لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ۚ فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ).
دليل وحدانية الصفات :
أنه لو كان لأحد صفة مثل صفة الله تعالى في الكمال لكان هذا الأحد إلهاً آخر، والإله الآخر مستحيل كما تقدم، فلا بدّ إذاً أن تتجمع صفات الألوهية كلها في ذات واحدة.
ولو فرضنا التعدد فإن عدم تعاون الآله يحقق الفساد والدمار للكون، وهو ما لا نراه فعلاً، وكذلك يستحيل أن يتصف أحد بصفات الإله حقاً، فهو: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
دليل وحدانية الأفعال :
لو كان لأحد أفعال مثل أفعال الإله، لكان إلهاً آخر، وهو مستحيل كما تقدم، ويتسحيل كذلك مشابهة أفعال الإله على الحقيقة، قال تعالى: (فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ)، وقوله: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ).
هي الركيزة الأولى التي يقوم عليها الإيمان الصحيح بوجود الله سبحانه وتعالى، وهي اعظم حقيقة من الحقائق المبثوثة في الكون، لذلك كَثُر التنبيه عليها في القرآن الكريم، قال تعالى: (وَإِلَٰهُكُمْ إِلَٰهٌ وَاحِدٌ ۖ لَّا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَٰنُ الرَّحِيمُ)، ففي سورة الإخلاص تتضح ملامح التوحيد في العقيدة الإسلامية بكل يسر وسهولة من غير تكلّف ولا تعقيد، قال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ).
فالله سبحانه هو الأحد، أي المتفرّد في ذاته وصفاته وأفعاله، وهو الصمد الغني في ذاته وصفاته غنيً تاماً، وهو الذي يقصده ويرتجيه العباد لحاجاتهم وافتقارهم، ولم ينبثق عنه ولد كما ينبثق عن غيره، فهو ليس محتاجاً للبنين والحفدة، ولا للصواحب والزوجات فهذا شأن العباد، والله منزّه عن النقص والاحتياج لغيره، ولا ندّ له يماثله في صفاته أو يدانيه فيها، فجمعت سورة الإخلاص الوحدانية المطلقة (وحدانية الذات والصفات والأفعال).
وعليه، من أسمائه الحسنى وصفاته العلُى:
- الواحد: هو الفرد الذي لم يزل وحده ولم يكن معه شريك، فهو وحده واجب الوجود، قال تعالى: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ ۖ وَمَا مِنْ إِلَٰهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ * رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ).
- الأحد: أي المنفرد كالأحد، قال تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
توحيد الربوبية وتوحيد الإلوهية، لا يكون المؤمن مؤمناً حقاً إلّا إذا أقّر بهما جميعاً وعمل بمقتضاهما.
فالربوبية: تمثّل علاقة الله تعالى بالإنسان، والإلوهية: تمثّل علاقة الإنسان بالله تعالى.
النوع الأول: توحيد الربوبية:
- معناه الأجمالي: الاعتقاد الجازم بأن الله رَبّ كلّ شيء، ولا رَبّ غيره.
- بيانه: أن الربّ في اللغة: هو المالك المدبر، وربوبية الله على خلقه تعني تفرده سبحانه في خَلْقِهم، ومُلْكهم، وتدبير شؤونهم.
فتوحيد الله في الربوبية: هو الإقرار بأنه سبحانه هو وحده خالق الخَلْق، ومالكهم، ومُحْيِيهم ومُمِيتهم، ونافعهم وضارهم، ومجيب دعائهم عند الاضطرار، والقادر عليهم، ومُعطيهم، ومانعهم، وله الخَلْق، وله الأمر كله، كما قال سبحانه عن نفسه: (أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ)، والإقرار بأن الله وحده هو الفاعل المطلق في الكون، بالخلق، والتدبير، والتغيير، والتسيير، والزيادة، والنقص، والاحياء، والاماتة، وغير ذلك من الأفعال، لا يُشاركه أحد في فعله سبحانه وتعالى.
الرب:
أبسط شرح لمعنى الرب هو الأب الحاني على أولاده، يهيئ المسكن والحاجات والطعام والشراب والمدرسة والغرفة الخاصة والتوجيه والتعليم والمحاسبة والتربية والعقاب أحياناً والمكافأة والتكريم.
ولعل هذا الأسم هو أقرب الأسماء الحسنى إلى الإنسان؛ لأن الله عز وجل يربينا، يربي أجسامنا ويربي نفوسنا ويربي عقولنا، عن طريق آياته الكونية، وعن طريق آياته التكوينية، وعن طريق آياته القرآنية، قال تعالى: (قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَىٰ * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَىٰ)، أعطاه القوام المناسب، الأجهزة المناسبة، الحواس المناسبة، النسج المناسب، الخصائص المناسبة، أعطى كل شيء خلقه التام ثم هدى.
- ففي مقام الحمد يتلو المسلم في كل ركعة يصليها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
- وفي مقام الاستسلام لله والانقياد له، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۖ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).
- وفي مقام التوجه لله عز وجل، واخلاص القصد إليه، قال تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).
فقد حكى الله سبحانه وتعالى عن المشركين أنهم كانوا مُقرّين بأن الله وحده خالق كل شيء، وظلوا مع ذلك مشركين؛ لأنهم لم يوحدوا الله في ألوهيته، فعبدوا غيره سبحانه، ولأنهم لم يُوحدّوا الله في أسمائه وصفاته، فجحدوا بعضها، ولم يؤمنوا بها، ولذلك قال عنهم الله عز وجل: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ)، فقد قال مجاهد في هذه الآية: (إيمانهم بالله قولهم أن الله خلقنا، ويرزقنا، ويميتنا، فهذا إيمان مع شرك عبادتهم غيره).
النوع الثاني: توحيد الألوهية:
معناه الإجمالي: الاعتقاد الجازم بأن الله سبحانه هو الاله الحق، ولا إله غيره، وإفراده سبحانه بالعبادة.
الله:
اسم علم في اللغة العربية على الذات الإلهية الجامعة لجميع صفات الكمال، والمنزهة عن أيَّةِ صفة من صفات النقصان، ولم يسمَّ به غير الخالق جل وعلا، لا على سبيل الحقيقة، ولا على سبيل المجاز.
ولله تعالى في كل لغة اسم على ذاته، يجب تقديسه، واحترامه في تلك اللغة، فمن ذلك: (طانري – Tanri) في التركية، و(خداي) في الفارسية، و(ديو) في الفرنسية، و(كَدْ – God) في الإنجليزية.
يقول ابن تيمية: (وهذا التوحيد هو الفارق بين الموحدين والمشركين، وعليه يقع الجزاء والثواب، في الأولى والآخرة، فمن لم يأت به كان من المشركين)، وقد أخبر الله عز وجل عن رسله، نوح وهود وصالح وشعيب، أنهم كانوا جميعا يقولون لأقوامهم هذه الكلمة: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ).
- وجوب إخلاق المحبة لله عز وجل: فلا يتخذ العبد نِداً لله في الحب، كما يحب الله، أو يقدمه في المحبة على حب الله عز وجل، وقد توعد الله عز وجل من يقدمون القيم الدنيوية على حب الله وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه: (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ).
- وجوب إفراد الله تعالى في الدعاء والتوكل والرجاء فيما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه، قال تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ)، وقال أيضاً: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ).
- وجوب إفراد الله عز وجل بالخوف منه، قال تعالى: (فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ).
- وجوب إفراد الله سبحانه بجميع أنواع العبادة البدنية من صلاة وركوع وسجود وصوم وذَبْح وطواف، وجميع العبادات القولية من نَذْر واستغفار.
النوع الثالث: توحيد الأسماء والصفات:
معناه الإجمالي: الاعتقاد الجازم بأن الله عز وجل متصف بجميع صفات الكمال، ومُنَزه عن جميع صفات النقص، وأنه متفرد بهذا عن جميع الكائنات، وتنزيه الله جل وعلا عن مشابهة الخلق وعن أي نقص، قال تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، وقوله تعالى: (وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ).
فتوحيد الله في صفاته يقتضي من المسلم أن يُنزه ربه عن الزوجة، والشريك، والكَفُؤ، والظَهير، والشفيع (بدون إذن الله)، والوليّ من الذل، ويقتضيه أن يَنزه الله عن النوم، والاعياء، والتعب، والموت، والجهل، والظلم، والغفلة، والنسيان، والنعاس، والتَحيُّز، وغير ذلك من صفات النقص.
فيقتضي وجوب الاقتصار فيما يُثْبَت لله من الأسماء والصفات، على ما ورد منها في القرآن الكريم، أو في السنة الثابتة؛ لأن الله عز وجل أعلم بنفسه وصفاته وأسمائه، قال تعالى: (قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ)، وقد قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: (لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله، لا يُتَجَاوز القرآن والحديث).
ويقتضي من العبد المكلف أن يؤمن بتلك الصفات والأسماء المنصوص عليها في الكتاب والسنة من غير سؤال عن كيفيتها، ولا بحث عن كنهها.
- قوادح توحيد الأسماء والصفات:
أي تشبيه صفات الخالق، بصفات المخلوق، كتشبيه النصارى “المسيح ابن مريم” بالله سبحانه، وكتشبيه اليهود “عزيرا” بالله، وتشبيه المشركين “أصنامهم” بالله، وكتشبيه بعض الطوائف “يد الله” بيد المخلوق و”سمع الله” بسمع المخلوق.
- التحريف بالتأويل، أو التغيير والتبديل:
كتحريف ألفاظ الأسماء والصفات، بزيادة، أو نقصان، أو تغيير الحركات الإعرابية كتحريف بعضهم لقول الله عز وجل: (وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلًا لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ ۚ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَىٰ تَكْلِيمًا) بنصب لفظ الجلالة؛ لنفي صفة الكلام عنه سبحانه وتعالى.
وهو نفي الصفات الإلهية؛ وذلك بجحد أسمائه وصفاته.
وهو تعيين كيفية الصفات، وإثبات كُنهِهَا، يقول الشوكاني: (ان مذهب السلف من الصحابة رضي الله عنهم، والتابعين وتابعيهم هو إيراد أدلة الصفات على ظاهرها من دون تحريف لها ولا تأويل متعسف لشيء منها، ولا تشبيه، ولا تعطيل يُفضي إليه كثير من التأويل، وكانوا إذا سأل سائل عن شيء من الصفات تَلَوا عليه الدليل، وأمسكوا عن القال والقيل، وقالوا: قال الله هكذا).
لا تنافي بين كون هذه الأسماء نُعوتاً لله عز وجل، وأعلاما عليه، وسميت بالحسنى: لدلالتها على أحسن مُسمى، وأشرف مدلول، وتوحيد الله في أسمائه يقتضي الإيمان بكل اسم سَمّى به نفسه، وبما دل عليه هذا الأسم من معنى، وبما تعلق بهذا الأسم من آثار.
أما عدد أسماء الله جل وعلا:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحد، من أحصاها دخل الجنة، إنه وٍتر يحب الوتر)، وقد اتفق العلماء على أن قول النبي صلى الله عليه وسلم (تسعة وتسعين اسما) لا يفيد أنها محصورة في هذا العدد.
ويدل على أن هناك أسماء لم يخبرنا بها الباري، وإنما استأثر بها في علم الغيب، ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مَا أَصَابَ مُسْلِمًا قَطُّ هَمٌّ، وَلا حَزَنٌ، فَقَالَ: “اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أُمَّتِكَ، نَاصِيَتِي فِي يَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ، سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي وغَمِّي” إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَ هَمّه فَرَحا)، قالوا: يا رسول الله، أَلا نتعلم هذه الكلمات ؟ قال: (بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهُنَّ أَنْ يَتَعَلَّمَهُنَّ).
وأما معنى احصاء اسماء الله الوارد في الحديث السابق: فهو معرفتها وحفظها، وفهمها، والإيمان بها، وحسن المراعاة لها، والمحافظة على حدودها في معاملة الله بها، ودعاء الله عز وجل بها.
إله:
- في المعجم جاء: أَلَهَ يَأْلَهُ وأُلوهَةً وألوهِيَةً يعني عَبَدَ عبادة فأَلَهَ بمعنى عَبَدَ الإله المعبود، أي: عَبَدَ يَعبدُ والعبادة هي غاية الخضوع مع غاية الحب ولن تُحب ولن تُطيع إلا إذا عرفت الله عز وجل، فالعبادة ثلاث مراحل: معرفةٌ وطاعة مع حب وسعادة، وهذا المعنى الأولى (أَلَهَ).
- أما المعنى الثاني: أَلِهَ يَأْلَهُ أَلَهاً أيْ تحيَّرَ، الإنسان يتحيّر بمَن ؟ بالصغير أم بالكبير ؟ بالجليل أم بالحقير ؟ بالغني أم بالفقير ؟ فالتحيُّر من معاني العظمة تَحار به الألباب، تَحارُ به العقول، تَحارُ به النفوس، تَحارُ به الأفئدة.
- والمعنى الثالث: أَلِهَ إليه أي لجأ إليه، يعني لا ملجأ لك أيها الإنسان إلا الله تعالى، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود ولا عظيم ولا ملجأ إلا الله، طبعاً الإله هو الله لكن هذه اللام نافية للجنس.
ما الفرق بين اللام النافية للجنس واللام النافية نفياً عادياً ؟
قد تقول مثلا: لا طالبَ في الصف بل طالبة، فجنس الذكور ليس موجوداً، أما إذا قلت لا طالبٌ في الصف بل طالبان، في هذه الحالة أنت نفيت ماذا ؟ نفيت المُفرد، فاللام التي تنفي المفرد تُسمى اللام الحجازية، أما اللام التي تنفي الجنس تُسمى اللام النافية للجنس.
وإذا قال لك أحدهم هل عندك خُبزٌ ؟ فقلت لا خبزَ عندي، فالمقصود لا خبز ولا قمح ولا طحين ولا أي شيء من أنواع القمح عندك، أما إذا قلت لا خبزٌ عندي، فقد نفيت المفرد وقد يكون عندك أجناس القمح أما الخبز نفيته وحده.
إذاً (لا إلهَ) تنفي أن يكون في الكون إله غير الله عز وجل، ومن معانيها أيضاً: لا إله للرغبة إلا الله، ولا إله للرهبة إلا الله، فحالة التوحيد هي الصحة النفسيّة، وخِلاف التوحيد مرض، فقد رُوي عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له (قبل أن يسلم): يا حصين كم تعبد من إله ؟ فقال أعبد ستاً أو سبعاً في الأرض وواحداً في السماء، فقال له النبي: وأيهم تعبد لرغبتك ورهبتك ؟ فقال: الذي في السماء، فقال له النبي: فيَكْفيكَ إله السماء.
- الأمور التي تنافي التوحيد :
وتسمى الشرك الأصغر: وهي توجب لصاحبها الوعيد، دون الخلود في النار – إن مات عليها -، فلا تنقل صاحبها من ملة الإسلام، إنما تدمغه بالفسوق والضلال، وتدخل تحت سلطان المشيئة الإلهية، إن شاء غفر وإن شاء عاقب، قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء)، وهي متعددة، وتخفى على الناس؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم: (الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء)، ومنها:
- التمائم والرقى.
- النذور لغير الله.
- الذبح لغير الله.
- الحلف بغير الله.
- الاستعاذة بغير الله من الجن والشياطين وغيرها.
- الاستغاثة والاستعانة والتوسل بغير الله.
- اتخاذ القبور مساجد.
- السحر.
- إتيان الكهّان والعرّافين بجميع أنواعهم.
- الطيرة.
ومن العلماء من يضيف إليهم الرياء، لما ورد في الحديث الشريف: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا يا رسول الله وما شرك الأصغر ؟ قال : الرياء)، وعدّه رسول الله شركاً حين قال: (من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك)، وللحديث تفصيل يأتي إن شاء الله.
أولاً: التمائم والرقى:
التمائم: جمع تميمة، وهي قلادة أو خرز يعلق في العنق أو الرأس، وهي من العادات التي كان العرب في الجاهلية يمارسونها ويعتقدون أنها تدفع الأذى والآفات والأمراض عن صاحبها.
فعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من تعلق تميمة فلا أتم الله له)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: (إن الرُّقى والتمائم والتِّوَلَه شرك).
ولكن تعليق شيء مما كتب فيه آيات من القرآن الكريم أو دعاء لله لا يعد من التمائم المحرمة، إنما هو مباح؛ لأنه ليس فيه إشراك بالله تعالى، وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم صحابته رضي الله عنهم من الفزع كلمات هي: (بسم الله، أعوذ بكلمات الله التامة، من غضبه وعقابه وشر عباده، ومن همزات الشياطين وأن يحضرون). وكان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يعلمهن من عقل من بنيه، ومن لم يعقل كتبها له في صك ثم علقها في عنقه. فإذا جاز كتابة الدعاء وتعليقه فكتابة القرآن وتعليقه من باب أَوْلى.
الرُّقى: جمع رُقْيَة، وهي بمعنى التعويذة، والمقصود بها في الاصطلاح الشرعي: ما يقرأ على المريض حتى يشفى من مرضه أو عاهته، أو ما يقرأ على الصحيح لوقايته من الأمراض والأضرار وغيرها، والرقى منها ما هو جائز، وهو:
- أن تكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه، أو بصفاته، وليس بكلام البشر.
- أن تكون باللغة العربية، ولا يجوز أن تكون بلغة أخرى أو بكلام لا يفهم معناه.
- الاعتقاد أنها لا تؤثر بذاتها بل بتقدير الله تعالى.
ودليل مشروعية هذه الرُقى، قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا)، وقول رسول الله: (اعرضوا عليًّ رُقَاكم، لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شرك)، وكان رسول الله صلى عليه وسلم يرقي نفسه بسورة الإخلاص والمعوذتين.
وأثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلمات عديدة في الرقى المشروعة منها: (أذهب البأس رب الناس، اشفِ وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاءً لا يغادر سقماً)، وقال أيضاً: (بسم الله أرقيك من من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس وعين يشفيك، بسم الله أرقيك)، وقوله للحسن والحسين: (أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامّة ومن كل عين لامّة. وكان يقول: كان إبراهيم يعوذ بهما إسماعيل وإسحق).
أما الرقى الممنوعة، فهي التعوذ باسم الجان أو الشيطان، أو بكلام لا يفهم معناه، أو الاعتقاد بأن الرُقى تؤثر بذاتها.
ثانيا: النذور لغير الله تعالى:
النذر:
- لغة: هو الوعد بخير أو شر، والنذر من الإنذار وهو التخويف لمن لم يفِ بوعده.
- شرعاً: التزام قربة إلى الله تعالى غير لازمة في أصل الشرع بلفظ يُشعر بذلك. كأن يقول: (لله عليّ صيام ثلاثة أيام)، أو يقول: (إن شفى الله مريضي لأتصدقن على الفقراء).
والنذر مشروع، والوفاء به واجب؛ فإن الله تعالى قد أمر بالوفاء بالنذور، فقال سبحانه: (وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ)،
ويشترط في النذر حتى يكون مشروعاً:
- أن لا يكون لغير الله تعالى، وأن يكون خالصاً لله.
- أن يكون في طاعة، وإلا فحكمه البطلان والحرمة وفيه كفارة اليمين، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (النذر نذران فما كان من نذر في طاعة الله فذلك لله وفيه الوفاء، وما كان من نذر في معصية الله فذلك للشيطان ولا وفاء فيه ويكفِّره ما يكفِّر اليمين).
ثالثا: الذبح لغير الله تعالى:
وهو الذبح الذي لا تحل به الذبيحة بحيث يحرم أكلها، وهو على ثلاث صور:
- أن يذكر الذابح على الذبيحة وقت الذبح اسماً غير اسم الله تعالى، بأن يرفع الذابح صوته عنذ الذبح بذكر اسم غير اسم الله تعالى على عادة العرب في ذكر أصنامهم عند الذبح، فكانوا يقولون باسم اللات والعزى.
- أن يقصد الذابح بذبحه التقرب إلى غير الله تعالى، كأن يذبح الذبيحة تقرباً إلى ولي أو جني أو نحو ذلك، ودليل التحريم قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله من ذبح لغير الله).
- أن يكون الذبح في مكان فيه وثن من أوثان الجاهلية، أو فيه عيد من أعيادهم، ولو بعد زوال الوثن والعيد، بدليل ما روي عن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه، قال: نذر رجل أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: إن نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي: (هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟)، قالوا: لا، قال: (هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟)، قالوا: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أوفِ بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم).
رابعا: الحلف بغير الله:
الحلف بغير الله أو بأحد أسمائه أو صفاته حرام، منهي عنه شرعاً، فقال صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد أشرك)، وقوله: (من كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله)، لهذا لا يجوز أن يحلف شخص بالكعبة بل يحلف برب الكعبة.
خامسا: الاستغاثة والاستعانة والتوسل بغير الله تعالى:
الاستغاثة:
- لغة: طلب الغوث، وهو إزالة الشدة.
والفرق بينها وبين الدعاء، إن الاستغاثة لا تكون إلا من المكروب، وأما الدعاء فيكون من المكروب وغيره، والاستغاثة إذا كانت بالله تعالى، فهي عبادة كالدعاء، قال تعالى: (أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ).
فلا يجوز لإنسان أن يستغيث بغير الله تعالى، إلا في حالات معينة، كأن يقع إنسان في نهر أو بئر، أو يصطدم بسيارة، أو تشب في داره حريق، فيطلب من يغيذه وينقده.
أما الاستغاثة الممنوعة في الاستغاثة بالأصنام والأموات والجن وأمثالهم، قال تعالى: (وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ۖ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ).
الاستعانة:
الاستعانة المشروعة هي الاستعانة بالأسباب المعتادة لحصول النفع والتي وضعها خالق الكون، على أن يعتقد أن المؤثر في الحقيقة هو الله وحده دون سواه. وذلك كأن يصاب إنسان بمرض فيستعين على الشفاء باستعمال الدواء الذي أنزله الله ووصفه الطبيب، أو بالصدقة، أو بطلب الدعاء من رجل صالح، فهذه كلها من صور الاستعانة المشروعة.
أما الاستعانة الممنوعة فهي طلب النفع بأشياء لم يجعلها الله سبباً ظاهراً له، كأن يمرض شخص فيستعين على شفائه باللجوء إلى ساحر أو دجال، بدل الطبيب.
التوسل:
- لغة: جعل الشيء وسيلة وسبباً لحصول المقصد.
- اصطلاحا: جعل الشيء الذي له عند الله قدر ومنزلة وسيلة لإجابة الدعاء.
التوسل في الأصل جائز في الشرع، لقوله تعالى: (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)، وقد ذكر العلماء في جوازه شرطين:
- أن يعتقد المتوسل أن مسبب الأسباب كلها إنما هو الله عز وجل، وأن الأسباب كلها صورية لا قيمة ذاتية لها، وأن المؤثر الحقيقي هو الله تعالى.
- أن يكون التوسل بأحد هذه الأمور:
- بذات النبي صلى الله عليه وسلم: إذ جعله الله تعالى سبباً لرحمة العباد، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وقد ورد في السنة عن عثمان بن حنيف رضي الله عنه: أن رجلاً ضريراً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ادعُ الله لي أن يعافيني، فقال: (إن شئت أخَّرت لك وهو خير، وإن شئت دعوت)، فقال: ادْعُه، فأمره ان يتوضأ فيحسن وضوءه، ويصلي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء: (اللهم إني أسألك، وأتوجه إليك بمحمد نبي الرحمة، يا محمد إني قد توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى، اللهم فشفعه فيّ).
كما ثبت في الصحيح عن الصحابة رضي الله عنهم، أنهم كانوا لا يألون جهداً في التوسل به صلى الله عليه وسلم والتبرك بآثاره، ولا فرق في التوسل برسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته أو بعد مماته؛ إذ لا تأثير ذاتي له صلى الله عليه وسلم في شيء ما، ومناط التوسل والتبرك به صلى الله عليه وسلم إنما هو مجرد تكريم من الله عز وجل له، وجعله وسيلة رحمة ومغفرة وبركة.
- بصالح الأعمال: لورود النص وهو حديث أصحاب المغارة الذين دعوا الله بصالح أعمالهم ففرج عنهم.
- بدعاء الصالحين وأهل الفضل من العلم: لما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه، أن عمر بن الخطاب رضي لله عنه كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، فقال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإننا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، قال: فيسقون.
وهكذا استسقى معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما توسلاً بيزيد بن الأسود بمحضر الصحابة والتابعين، فقد رُوي أن السماء قحطت، فخرج معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، فقال: اللهم إنا نستشفع إليك اليوم بخيرنا وأفضلنا، اللهم إنا نستشفع إليك بيزيد بن الأسود الجرشي، يا يزيد ارفع يديك إلى الله، فرفع يزيد يديه ورفع الناس أيديهم، فما كان أوشك أن ثارت سحابة في المغرب، وهبت لها ريح فسقينا حتى كاد الناس لا يصلون إلى منازلهم.
ونُقل عن الإمام الشوكاني قوله: (لا وجه لتخصيص جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، والتوسل بأهل الفضل والعلم هو في الحقيقة توسل بأعمالهم الصالحة ومزاياهم الفاضلة).
سادسا: الاستعاذة بغير الله تعالى من الجن والشياطين وغيرها:
الاستعاذة: هي الالتجاء والاعتصام، وقال ابن كثير: الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى من شر كل ذي شر.
ولا تجوز الاستعاذة إلا بالله، أما الاستعاذة بغير الله تعالى كالاستعاذة بالجن والشياطين فهي شرك، قال تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا).
قال ابن كثير في تفسيرها: كان إذا نزل الإنس وادياً أو مكاناً موحشاً من البراري وغيرها – كما كانت عادة العرب في الجاهلية – يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان حتى لا يصيبهم شيء بسوء، فكلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقاً، أي خوفاً وإرهاباً وذعراً.
سابعا: اتخاذ القبور مساجد:
المقصود باتخاذ القبور مساجد أحد الأمرين:
- الأول: أن يُبنى فوق قبر إنسان ما مسجد للصلاة، فيصبح ما حول القبر مكاناً للصلاة.
- الثاني: أن يُصلى عند قبر ذلك الإنسان من غير أن يبنى على قبره مسجد.
وبناء المعابد على قبور الصالحين تقليد قديم، وقد ذكر القرآن ما يدل على شيوعه في الأمم السابقة، قال تعالى: (فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا ۖ رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات، بنوا على قبره مسجداً وصوروا تلك الصور، أولئك شِرار الخلق عند الله يوم القيامة).
ولهذا نهى الإسلام عن نحت التماثيل واتخاذ القبور مساجد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وكان يدعو الله قائلاً: (اللهم لا تجعل قبري وثناً، لعن الله قوماً اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد).
فأما مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يشمله التحريم، فإن قبره الشريف صار فيه بعد توسيعه، قال الإمام النووي: (ولما احتاج الصحابة رضوان الله عليهم والتابعون إلى الزيادة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كثر المسلمون، بَنَوا على القبر حيطاناً مرتفعة مستديرة حوله لئلا يظهر في المسجد فيصلي إليه العوام ويؤدي إلى المحذور، ثم بَنَوا جدارين من ركني القبر الشماليين وحرفو1هما حتى التقيا حتى لا يتمكن أحد من استقبال القبر).
ثامنا: السحر:
- لغة: عبارة عما لطف وخفي سببه.
- اصطلاحا: صناعة يقصد منها إحداث الخوارق بطرق خفية.
قال تعالى: (..وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ…وَمَا هُم بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ..)، ومن السنة بما روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُحِرَ وأنه كان يخيل إليه أنه لا يفعل الشيء ولم يفعله، وذلك بتأثير السحر الذي قام به لبيد بن عاصم.
وقد أجمع علماء الأمة كلهم على تحريم السحر وعلى أنه من الكبائر التى نهى الإسلام عنها وعدّها من المهلكات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا السبع الموبقات)، قالوا: يا رسول الله وما هن ؟ قال: (الشرك بالله والسحر) وذكر تتمة السبع، لهذا لا يجوز للمسلم تعلم السحر ولا العمل به إلا إذا تعلمه ليدفع ضرراً وقع بأخيه، كأن يفك سحر ساحر ويبطل عمله، بشرط أن لا يقوم بفعل شيء محرم شرعاً.
وعلى هذا قرر الفقهاء أن يكون حكم الساحر إن لم يتوب، القتل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (حد الساحر ضربه بالسيف)، وكذلك استناداً إلى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (اقتلوا كل ساحر وساحرة).
تاسعا: الطّيَرَة:
أصل الطيرة أن العرب في الجاهلية كانوا إذا أراد أحدهم أن يقدم على أمر، اعتمد على الطير في تقرير رأيه، فيراقب الطير فإن رآه قد طار إلى جهة اليمين قرر العزم على ما هو عازم عليه، وإذا طار إلى جهة اليسار تشائم ورجع عن الأمر، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التطير، فقال: (الطّيَرَةُ شرك، الطّيَرَةُ شرك، ثلاثاً، وما منا إلّا، ولكن الله يُذهبه بالتوكل).
والحكمة من التحريم أن التطير فيه اعتماد على الطير في تقرير الأمور، وهذا منافٍ للتوحيد الخالص، وفي الإقبال على التطير دلالة على الجهل وفساد العقل؛ لأن المتطير إنما يطلب العلم ممن لا يعلم ويطلب القدرة ممن لا يقدر عليه.
عاشرا: إتيان الكهان والعرافين بجميع أنواعهم:
العرّاف: اسم الكاهن والمنجم ممن يزعم معرفة الغيبيات من أمور الناس.
أما حكم إتيان هؤلاء وأمثالهم فالتحريم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم)، وقال أيضا: (من أتى عرافاً فسأله عن شيء لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة)، فإتيان هؤلاء مُنافٍ للتوحيد ونوعٌ من الشرك؛ لأن فيه اعتقاد معرفة الغيب لغير الله سبحانه.
الحادية عشر: الرياء:
العلماء يجعلونه من الشرك الأصغر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر)، قالوا: يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال: (الرياء).
والرياء: هو أن يسلك المرء سلوكاً من القول والفعل لا يقصد به وجه الله تعالى بل يبتغي ثناء الناس وامتداحهم له، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك).
والرياء من المحرمات؛ لأنه من أنواع الشرك ومحبط للأعمال وسبب للمقت عند الله تعالى، ففي الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري، تركته وشركه).
- الرضى بالكفر وعدم الرضى بالإسلام.
- أساليب الرضى بالكفر:
- عدم تكفير الكافرين من ملحدين ومرتدين ومشركين
- موالاة الكفار واظهار موافقتهم على دينهم
معنى الموالاة للكفار:
- اتباع اهوائهم.
- طاعتهم فيما يأمرون ويشيرون به.
- الركون إليهم.
- مداهنتهم ومداراتهم ومجاملتهم على حساب الدين.
- إظهار الود لهم.
- إكرام الكفار وتقريبهم.
- مشاورتهم في الأمور الهامة.
- اتخاذهم بطانة من دون المؤمنين.
- معاونتهم على ظلمهم ونصرتهم.
- التشبه بأعمالهم وعاداتهم وتقاليدهم.
- اخذ الأمة بوسائل الترغيب والترهيب والاعلام وغيرها للتشبه بهم وتقليدهم في شؤون الحياة.
- استعارة قوانينهم ومناهجهم في حكم الأمة وتربية ابنائها.
- معاونتهم واستئمانهم وتحسين أفكارهم.
- بعض مظاهر عدم الرضى بالإسلام:
- الاستهزاء بشيء معلوم من دين الإسلام.
- ظهور الكراهية والغضب عند ذكر الله.
الصفات التي وردت في الكتاب والسنة نوعان:
1- صفات ذاتية: وهي تلك التي لا تنفك عن الله سبحانه وتعالى، كالنفس، والعلم، والحياة، والقدرة، والسمع، والبصر، والكلام، والقِدَم، والملك، والعظمة، والكبرياء، والعلو، والغنى، والرحمة، والحكمة، وهي صفات ملازمة لذات الله تعالى قائمة، لا ينفك عنها.
2- صفات الفعل: وهي ما يتعلق بمشيئة الله وقدرته، كالاستواء، والنزول، والمجيء، والعجب، والضحك، والرضى، والحب، والكره، والسخط، والفرح، والغضب، والمكر، والكيد، والمقت.
والواجب في هذه الصفات جميعها اثباتها لله عز وجل على حسب المعنى الذي يليق بكمال الله تعالى، بعيداً عن التشبيه والتعطيل والتحريف والتكييف، كما قال الإمام الشافعي: (آمنت بالله وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنت برسول الله وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله).