الهجرة.. عنوان مرحلة جديدة
أهلاً وسهلاً بالذينً أحبُّهمْ وأودُّهم في اللهِ ذي الآلاءِ
أهلاً بقومٍ صالحينَ ذوي تقىً غرِّ الوجوهِ وزينِ كلِّ ملاءِ
نعيش مناسبة الهجرة الشريفة؛ لنتعلم من دروسها العظيمة كل عام ما يناسب احتياجات المرحلة.
أفهم الهجرة:
حدث الهجرة كان مرحلة انتقالية من إعداد الأفراد إلى إعداد الجماعة، من الفردية إلى الغيرية، تغيّرت فيها قواعد اللعبة ومعطياتها، واحتاجت وسائل جديدة (بناء مسجد، مآخاة، ميثاق).
مقوماتها:
عندما ضحّى النبي وصحبه الكرم، وتركوا كل عزيز، وانتقلوا إلى بيئة جديدة.
حينما يتعالى الإنسان عن واقعه، ويرتقي بمن حوله.
حينما نيأس من الواقع، ونستشعر الخطر، ونؤمن بأهمية التحرك وضرورة السعي.
عندها نؤمن بأن إعداد أنفسنا كقادة وأناس فاعلين هو واجب المرحلة الحالية، ونهبُّ لمساعدة من هم حولنا ونأخذ بأيديهم، عندها نُبصر النور الذي نرنو إليه.
نظرة في الواقع الذي نعيش:
لماذا هذا الموضوع ؟
- عندما ننظر في الواقع المحيط ونرى ما نعانيه من رواسب تربوية، وإهمال إداري، وغياب دور الأسرة ممثلة بالأب ولأم، وغياب دور المعلم في المدرسة، والشيخ في المسجد.
- حينما نرى تقصير الدعاة، وافتقاد القدوات، وندرة الناجحين والمتميزين.
- حينما نرى الدليل قد تاه.
تاه الدليل فلا تعجب إذا تاهوا أو ضيّع الركب أشباح وأشباه
تاه الدليل فلا تعجب إذا تركوا قصد السبيل وجاروا عن سجاياه
تاه الدليل فلا تعجب إذا انحرفوا عن الصراط للات الشرك عزاه
- حينما نفتقد الإخلاص في النيات، والاتقان في العمل، والحب في العطاء.
نعلم أنه لا سبيل للعودة لذلك المجد المنشود والسؤود المطلوب إلّا بإعداد جيل من القادة المخلصين، والعلماء الربانين والأفراد المتميزين، وليس ذلك صعب ولا أماني.
كَفاني وَلَم أَطلُب قَليلٌ مِنَ المالِ فَلَو أَنَّ ما أَسعى لِأَدنى مَعيشَةٍ
وَقَد يُدرِكُ المَجدَ المُؤَثَّلَ أَمثالي وَلَكِنَّما أَسعى لِمَجدٍ مُؤَثَّلٍ
فلنمتثل أمر مولانا (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ) ولنبدأ بأنفسنا، ولننهض ولنعمل.
قد نهضنا للمعالي ومضى عنا الجمود
ورسمناها خطى للعز والنصر تقود
فتقدم يا أخا الإسلام قد سار الجنود
ومضوا للمجد إن المجد بالعزم يعود
يا أمتي إن قسوت اليوم معذرةً فإن كفيّ في النيران تلتهبُ
وإن قلبي قد طاف الرماد به وقد تدفق فيه الماء والعشبُ
فكم يحُزُّ بقلبي أن أري أمماً طارت إلى المجد والعربان قد رسبوا
كل شعب قام يبني نهضة وأرى بنيانكم منقسما
في قديم الدهر كنتم أمة لهف نفسي كيف صرتم أمما
أزمات وانفراجات:
إننا حينما نشخّص مشكلاتنا، ونفكّر فيها، ونسعى لحلها، فإن بوارق الأمل لا بدّ أن تلوح في الأفق، ومن تلك الأزمات:
أزمة جمود وتخلف:
عندما نعيش مشكلة التخلّف عن الأمم، والانتقال من دور الرائد إلى دور التابع رغم وجود منهج الله بيننا الذي ارتضاه لنا (وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)، وهو ما عبّر عنه سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم:
عندما كان جالساً بين أصحابه، فشخص ببصره إلى السماء، ثم قال: (هذا أوان يختلس العلم من الناس، حتى لا يقدرون منه على شيء، فقال زياد بن لبيد: يا رسول الله، كيف يختلس منا وقد قرأنا القرآن ؟ فوالله لنقرأنه ولُنقرأنه أبناءنا ونساءنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ثكلتك أمك يا زياد، إن كنت لأعدك من فقهاء المدينة، هذه التوراة والإنجيل عند اليهود والنصارى، فما تغني عنهم !).
فهذا عندما نفتقد الرموز الحية التي تخلّقت بأصفه النبي (كان خلقه القرآن، كان قرآنا يمشي على الأرض)، فالمشكلة ليست في غياب العلم، إنما بتطبيقه واقعاً عملياً، وتفعيله في الحياة.
أزمة فاعلية:
فلم نعد الأمة التي امتدحها رب العباد (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ)، ففقدنا الخيرية، وفقدنا الرسالة الواضحة “نحن قوم ابتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد”، وفقدنا فن التفاعل والتأثير في الناس (كان الداعية إذا دخل قرية، دخلت كلها في الإسلام).
أزمة استشعار:
عندما لا نستشعر ثقل الأمانة وقدر الرسالة (ولّى زمان النوم يا خديجة)، (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)، ذلك الهم الذي عبّر عنه الفاروق عمر بقوله: “فوالله ما أستطيع أن أصلي، وما أستطيع أن أرقد، وإني لأفتح السورة فما أدري في أولها أنا أو في آخرها من العمي بالناس منذ جاءني هذا الخبر (الخلافة)”.
أزمة ضعف القائد:
لذلك سيدنا عمر كان عندما يستعيذ يقول: “اللهم إني أعوذ بك من جلد الفاجر وعجز الثقة”.
بواعث الفرج:
- عندما يشعر المريض بالمرض … فهذه أولى مراحل العلاج.
- عندما نعيد للحياة صبغتها الأصلية (صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)، (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا).
- ونتوجه التوجه الصحيح (وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ)، (إلهي أنت مقصودي ورضاك مطلوبي).
- التخصص: عندما يعرف كل فرد منا قدراته ومميزاته، ويتوجه إلى تنمية إمكانياته بالتدريب المستمد والجهد الكافي، وينهض كل امرئ بالواجبات الموكلة إليه.
- إحياء دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
- عندما نتعايش مع مختلف طبقات المجتمع (مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى).
- عندما نتجه للعمل المؤسسي (يد الله مع الجماعة).
- عندما نتكامل، الاستفادة من طاقات الجميع.