خلق الرضا

تعريفه:

قيل هو:

  • سرور القلب بمرّ القضاء.
  • سرور يجده القلب عند حلول القضاء.
  • ترك الاختيار على الله فيما دبر و أمضى.
  • طيب النفس بما يصيبه و يفوته.
  • ترك التسخيط.
  • سكون القلب تحت مجاري الأحكام.

فهو مقام قلبي يجعل المؤمن يلقى نوائب الدهر بإيمان راسخ و نفس مطمئنة.

فضله:

هو أسمى المقامات، إذ أرفع من الصدق حقيقته و دواء الزهد و غاية التوكل.

هو سبب الغنى لحديث “وَارْضَ بِما قَسَمَ الله لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النّاسِ”.

و سبب السعادة لحديث “مِن سعادة ابن آدم رضاه بما قضى الله له ومن شقاوة ابن آدم تركه استخارة الله ومن شقاوة ابن آدم سخطه بما قضى الله له”.

وباب رضا الله عنا لحديث ” مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ: رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ نَبِيًّا، وَحِينَ يُمْسِي مِثْلَ ذَلِكَ، كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُرْضِيَهُ”.

و من تحلى بالرضا بالله رباً و بالإسلام ديناً و بسيدنا محمد رسولاً ذاق طعم الإيمان كما في الحديث “ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ، مَنْ رَضِيَ بِالله رَبًّا، وَبِالإِسْلامَ دِيناً، وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولا”.

ليس الرضا أن تحس بالبلاء إنما الرضا أن لا تعترض على الحكم و القضاء، كالمريض يشرب الدواء المرّ لعلمه أنه سبب الشفاء.

قال سيدنا عمر “ما ابتليت ببلاءٍ إلا كان لله تعالى علي فيها أربع نعم، أولا أنها لم تكن في ديني ولم تكن أعظم منها، وأني أنظر ثوابها والرضى بها”.

و الراضي قد يشعر بالألم، تكفيه تعلّم أن هناك حكمة لطف وراء القضاء (فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) فيزول تعجبه كما زال تعجب سيدنا موسى مع الخضر حين تبين له الحكمة.

وقد يصل المؤمن المحب أن لا يشعر جانب محبته بالألم كما قال عامر بن قيس ” أحببت الله حبا هون علي كل مصيبة، ورضاني بكل بلية، فما أبالي مع حبي إياه على ما أصبحت ولا على ما أمسيت”.

و منه نفهم قول سيدنا بلال و هو يمر بسكرات الموت حين قال بدافع محبته ” غدا نلقى الأحبة محمدا و صحبه”.

وهذا عروة بن الزبير تقطع رجله يوم أحد و يتوفى ولده في ذات الليلية فيقول: ” الحمد لله كانوا سبعةً فأخذتَ منهم واحدًا وأبقيتَ ستة، و كان لي أطرافٌ أربعة فأخذتَ واحدًا و أبقيت ثلاثة، ولئن كنت قد أخذت فلطالما أعطيت فلئن كنت قد ابتليت فلطالما عافيت”.

عندها يتجلى الرضا المتبادل الذي قال عنه رب العزة جل وعلا: (رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ).

فكيف يرضى عنا إذا لم نكن راضين عنه وعن قراره.

و قد يظن الانسان أن الرضا يستوجب ترك الدعاء أو الأسباب وهو فهم خاطئ و باطل فإذا كان الرضا من أوامر الله فإن الدعاء من أوامره (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) والأسباب من أمره (فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ) ولا تتعارض أوامر رب العالمين بل كما قال سيدنا عمر: “نفر من قدر الله إلى قدره”

فالرضا اعتراف قلبي و يعبر عنه اللسان كما قال الرسول الأعظم يوم الطائف “إن لم يكن بك عليّ غضب فلا ابالي”

لذلك كان ثواب الله لأهل الجنة بالرضا أعظم من الجنة نفسها لقوله: (وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)

و كما في الحديث، عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير كله في يديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى يا رب، وقد أعطيتنا ما لم تعط أحداً من خلقك؟ فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: يا رب، وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني فلا أسخط عليكم بعده أبداً)).