• تسجيل الدخول
سبيلي
  • الرئيسيّة
  • علوم شرعيّة
      • علوم القرآن الكريم
      • علوم السّيرة والسّنّة المطهّرة
      • علوم الفقه الإسلاميّ
      • تراجم الرّجال
      • علوم السّلوك
      • علوم إضافيّة
  • علم نفس
  • وسائل
      • مكتبة البيت السعيد
      • مكتبة الطفل المسلم
      • دروس جاهزة
      • دروس صوتية
      • أدعية
      • آيات
      • أناشيد
      • أناشيد – كلمات
      • مسرحيات
      • مسابقات
  • مقالات
  • Click to open the search input field Click to open the search input field ابحث
  • Menu Menu

زاد الأنام في الأشهر الحرام

بسم الله الرّحمن الرّحيم

الفهرس

  • مع اقتراب موسم الحجّ
  • ومضات من آيات الحجّ
  • من آيات الحجّ
  • من معاني الحجّ
  • خواطر يوم عرفة
  • في وداع ذي الحجّة
  • من مشاهد يوم عرفة العظيم
  • هنيئاً لمن عرفه
  • فإذا قضيتم مناسككم
  • بعد مواسم الطّاعة
  • للتّنزيل

مع اقتراب موسم الحجّ

أيّام ذي القعدة:

مع بداية شهر ذي القعدة، تبدأ الأشهر الحرم، وهي أشهر موسم الحجّ، كانوا يخرجون في حجّهم من ذي القعدة ويعودون في محرّم.

شهر ذي القعدة شهر أداء العمرة، وعمر النّبيّ أربع إنّما كانت فيه:

١- الحديبيّة ولم يتمّها.

٢- عمرة القضاء في السّنة الّتي تليها.

٣- عمرة الجعرانة عام الفتح بعد حنين.

٤- عمرة حجّة الوادع والّتي أحرم فيها في ذي القعدة.

إذن في شهر ذي القعدة يجيب المدعو داعيه: (الحجّاج والعمّار وفدٌ دعاهم الله فأجابوا).

والعمّار: هم زوّار بيت الله وروّاده هم المحبّون المشتاقون.

أيّام ذي الحجّة:

حتّى إذا دخلت أيّام ذي الحجّة، جاءت البركات، يقول رسول الله: ( أفضل أيّام الدّنيا عشر ذي الحجّة )، ويقول: ( ما من أيّامٍ، العمل الصّالح فيها أحبّ إلى الله عزّ وجلّ من هذه الأيّام، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله، قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلّا رجل خرج بماله ونفسه ثمّ لم يعد من ذلك بشيء ).

في عشر ذي الحجة نؤدّي الرّكن الخامس من أركان الدين.

الحجّاج لهم مناسكهم وعباداتهم والّذين يبقون في بيوتهم.

– أوّل الأمر: أن نحّدث أنفسنا بالحجّ ولو لم نملك أسبابه وتكون قلوبنا وأرواحنا معلّقة ( من سأل الله الشّهادة بصدق، بلّغه الله منازل الشّهداء ولو مات على فراشه ).

مقصود الحجّ الأعظم: أن تحقّق الصّلة بالرّبّ المعبود، وإذا لم يخضع القلب وينيب، فلا فائدة من الحجّ.

تقوى القلوب: علّمنا رسول الله قاعدة ثابتة: ( إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم ولكن ينظر إلى قلوبكم ).

معنى الحجّ وغايته:

لغةً، الحجّ: القصد إلى معظّم.

تقوى القلوب: والمقصود منه تعظيم شعائر الله تعالى، قال تعالى: { ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }.

امتحان القلوب: هو امتحان حقيقيّ للقلوب، قال تعالى: { أُولَٰئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ ۚ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }.

لذلك نريد حجّ القلوب، قال أحد الصّالحين: “من حجّ ولم تظهر عليه آثار البركة في عقله وعرفانه ودنياه وآخرته فكأنّما لم يحجّ بل طوى القيعان، واكتفى برؤية الجدران وزمزمة الرّكبان وذلك حجّ من لم يكشف حجب المظاهر، ووقف بجهله مع الظّواهر (حيطان البيت)، وقصد العارفين ربّ البيت، لذلك تراهم في كلّ حكم من الأحكام في حضرة الفهم، يستكشفون حكمته الّتي طواها الحكيم العليم”.

القلب كالكعبة:

إذا كان القلب كالبيت، فمثل الحرم المحيط بالبيت مثل الجسد المحيط بالقلب، ومثل تحريم الحَرَم بأن لا تقطع شجره ولا ينفّر صيده، مثل تحريم دم المؤمن وعرضه وكلّ شيء منه لأجل قلبه الذي هو محلّ الإيمان بالله، وكما أنّ الحرم لا يؤوي صاحب الجريمة بل تقام فيه حدود الله، كذلك لا حرمة لمن أمر الشرع بأخذ الحقوق منه.

عندما يكون القلب كعبة: وجب أولاً تكسير الأصنام الّتي فيها كما فعل رسول الله حين كسّر أصنام الكعبة، قال تعالى: { وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ ۚ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً }، فلا آلهة ولا مقدّسات ولا عزيز في القلب إلّا الله.

حتى يُسلِم القلب: ورد في الحديث الشّريف: ( والّذي نفسي بيده لا يسلم عبدٌ حتّى يسلم قلبه لله عزّ وجلّ )، عندها يَسلَم: ( ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلُحت صلُح الجسد كلّه، وإذا فسُدت فسدَ الجسد كلّه ألا وهي القلب )، عندها يعفو الله عنه ويقبله: ( إنّ العبد ليدعو الله وهو غضبان، فيعرض عنه فلا يزال يدعوه حتّى يقول الله عزّ وجلّ لملائكته إنّ عبدي قد أبى أن يدعو غيري فقد استجبت له ).

وهذا واجبنا قبل الذهاب للحجّ كما قالوا: “إن لم يكن صلح هُنا، فهناك لن أحيا الهنا”، عندها يحيا القلب، قال تعالى: { أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ۚ كَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُون }، ونصل للسّلامة، قال تعالى: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ).

إذن هي أيّام تفّرغ، وما علينا لو تفرغّنا لعبادة ربنا هذه الأيام، قال تعالى:{ وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً }، أيام تعب ومسارعة ومتابعة، قال تعالى: { فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ وَإِلَىٰ رَبِّكَ فَارْغَب }، وفي الحديث الصّحيح: ( تابعوا بين الحجّ والعمرة فإنّهما ينفيان الفقر والذّنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذّهب والفضّة )

أيّام توفير للمستقبل وتزوّد واستعداد:

نادى أحد الصّالحين ربّه في ليلة فقال: “يا ربّ، تغيرّت طاعتي ولم تتغيرّ نعمتك”، فهتف به هاتف: ( إنّ لك عندنا أيّاماً حفظناها ونسيتها )، فلنغتنم ما استطعنا ولننعم برفع الأستار، في ذي القعدة ترفع أستار الكعبة وكأنّها إشارة لرفع الأستار عن القلب، “رفعت أستار البيت، وبدت أنوار البيت تنجلي لكلّ عين، فاشهدوها”، ولنحذر أن تكون الدنيا أكبر همّنا: في الحديث الحسن: ( من أصبح والدّنيا أكبر همّه فليس من الله في شيء وألزم الله قلبه أربع خصال: همّاً لا ينقطع عنه أبداً، وشغلاً لا يتفرّغ منه أبداً، وفقراً لا يبلغ غناه أبداً، وأملاً لا يبلغ منتهاه أبداً )، بل فرصة لترقيق القلب وتصفيته: إن لله أواني، وهي القلوب فأقربها إلى الله ما رقّ (خشيةً) وصفا (من الصفاء) وصَلُب (في سبيل الله).

عودة إلى الفهرس

ومضات من آيات الحجّ

قال تعالى: { وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لَّا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ }.

قال تعالى: { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ }.

  • { النَّاسِ } فالخطاب لعموم الناس، لكل من لم يتخلَّ عن الإنسانيّة ؟
  • { أَذِّن } أمر مستهجن في ظاهره، لكن ليس مع سيّدنا إبراهيم الخليل الّذي عانى من قبل، بل هو درس جديد نتعلّمه أنّنا مطالَبون بالسّعي والعمل بأقصى الإمكانيّات ثمّ التّيقّن بحكمة الله وقدرته.
  • { رِجَالاً وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ } بشتّى الوسائل والحالات والإمكانيّات، فهذا شأن الصّادقين.
  • { خِفَافاً وَثِقَالاً }، وكما قال ابن عطاء رحمه الله: “عرجاً ومكاسيراً”
  • { مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ } الفجّ هو طريق بين جبلين، وقيل كلّ طريق بعيد، ولعلّ الحكمة أنّه دائماً لديك جبلين وهناك طريق وعرة يجب أن تسلكه ولو بصعوبة، كلّ جبل يوهمك أنّه المنارة أو القبلة اللّتان يحدّدان مسيرك لكن هناك خيار أن تشقّ طريقاً بينهما.

أحياناً يقف الشّيطان في طريقك ويحاول منعك من العبور لتبقى حبيساً بين الجبلين، لكن القرار لك في عبور الفجّ وبلوغ المنزل، لعلّه فجّ عميق بداخلك، ولكن ماذا يوجد في الأعماق عادةً ؟

إنّها كنوزٌ غير مكتشفة وخيرات دفينة، لذلك كانت الآية الّتي تلتها، قال تعالى: { لِّيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ۖ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ }، فهذه المنافع الحقيقيّة حين تكتشف ذاتك وأعماقك، وإلّا فليس كلّ أحد كان يخرج بتجارته، ولذلك عندها تذكر اسم الله في تلك الأيّام المعلومات وتضع عنواناً واحداً لرؤية شاملة، وعندما ذكر { بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ } يذكّرنا ذلك بالسّبب الّذي فيه نلنا منصب الاستخلاف في الأرض والسّيادة فيها، أمّا { الْبَائِسَ الْفَقِيرَ } فهو جوهر الاستخلاف (العدالة الاجتماعيّة).

قال تعالى: { ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ }.

  • قضاء التّفث: مناسك الحج التّي تعلن الخروج من الإحرام، مثل: الحلق والتّقصير والرّمي.
  • لغة التّفث: القذر والدّرن، فالحجّ يزيل الأدران والأوساخ الظاهريّة المادّيّة والباطنيّة، لذلك يشعر الحاجّ أنّه رجع كيوم ولدته أمّه.
  • { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } فقهيّاً المقصود به: نحر ما نذروه لله من أنعام، وحقيقةً: نذر من نوع ثانٍ بين العبد وربّه.

قال تعالى: { ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ ۗ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ ۖ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ }.

  • { يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ } مقصود تلك المناسك الشّعائريّة، لكن ليس فقط الزّنا والخمر، بل من صور الحرام: هدر الحياة دون هدف أو عدم ترك بصمة فيها، وهدر الطّاقات.
  • { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ } صارت اليوم تعني التّحاشي، نقول: “ابتعد قليلاً كي تتجنّب توسيخ ملابسك” أي ابتعد قليلاً، لكن قرآنيّاً تعني الذّهاب للجّانب الآخر، حدّ العزلة، أبعد نقطة من ذلك قول سيّدنا إبراهيم عليه السّلام: ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ).

فالمطلوب تجنّب الرّجس والأوثان والرّجس غير القذر، فالقذر واضح، تعافه النّفس البشريّة، أمّا الرّجس مخفيّ، يحتاج جهداً لمعرفته لكنّه لا يقلّ قذارةً عن القذر.

طيب، هل هناك أوثان رجسة وأوثان غير رجسة ؟ لا قطعاً، بل الآية تقول: { الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ }، وليس الأوثان الرّجسة، فالاجتناب للرّجس وليس للأوثان، بل الأوثان نحن لا نتجنّبها بل نذهب إليها ونواجهها ونكسّرها، لكن المطلوب اجتنابه رجسها.

– الوثن غير الصّنم، فالصّنم ما كان على جسم أو صورة، أمّا الوثن فليس له جسم ولا صورة، قد يكون شعاراً أو فكراً، وأصل كلمة الواثن: الرّاكد على حاله، الثّابت الدّائم، لذلك سمّي وثناً، فالأفكار إذا ركدت تفسد، كذلك الرّوح تصبح كالماء الآسن، والعلاقة مع { قَوْلَ الزُّورِ } أنّه ليس كذباً خالصاً، إنّما حقيقة مزيّفة خرجت عن حقيقتها وبين اجتنابين تصبح حنفاء.

  • حنفاء: الحنف في القدمين، إقبال كبّ واحدة منهما على الآخرى

ومنه الأحنف، لحنف كان في رجليه.

والحنف: طريقة في المشي على نحو يبدو كما لو أنّه مائلاً لكن على خطّ مستقيم (طريق خاصّ مائل لكن على طريق الاستقامة)، حتّى تتجنّب المرور بالحرام.

  • شعائر: حركات وهيئات تمسّكنا بها يخلّصنا من الحرام.
  • منافع: منافع الدّنيا والآخرة.
  • منسكاً: المكان الّذي يتعبّد فيه.
  • { مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ }: لأنّ سيد وخليفه

المخبتين: المتواضعون، حتّى لا تغترّ وتتكبّر.

الخبت: ما اطمأنّ من بطن الأرض، ما يتّسع وينبت فيه الشّجر.

هؤلاء لهم البشرى: ذكر رجل قلق يدفع لمزيد من لعمل، صبر، إقامة الصّلاة، إنفاق { عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ }.

الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ، { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ }: أي ألزمه نفسه بالشّروع فيه، بالنّيّة قصداً باطناً، وبالإحرام فعلاً ظاهراً، وبالتّلبية نطقاً مسموعاً.

  • وفَرَضَ أي أبان وأظهر.
  • { فَلَا رَفَثَ }: كلمة جامعة لما يريده الرّجل من أهله، سواءً قُصِد به الجماع، أو الإفحاش بالكلام للمرآة، أو الإفحاش بذكر النّساء عموماً، وهو من اللّغو في الكلام.
  • { وَلَا فُسُوقَ }: أصلها من فسقت التّمرة، أي خرجت نواتها منها، وهي كلمة جامعة لأنواع المعاصي كلّها، ومنها: قتل الصّيد وقصّ الظّفر وأخذ الشّعر، ومنها الذّبح للأصنام { أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ }، ومنها التّنابز بالألقاب، كما قال تعالى: { بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ }.

لذلك ورد عن ابن عمر رضي الله عنهما: “الفسوق السّباب”؛ وذلك من قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: (سِبابُ المسلم فسوق وقتاله كفر).

وعليه كان الأجر الكبير لمن ضبط نفسه في الحجّ، كما قال النّبيّ الأكرم صلّى الله عليه وسلّم:  ( من حجّ فلم يُرفث، ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه )، وجاء منه أيضاً: ( والّذي نفسي بيده، ما بين السّماء والأرض من عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله أو حجّة مبرورة لا رفث فيها ولا فسوق ولا جدال ).

  • { وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }: الجدال وزنه فعال من المجادلة، وهي مشتقّة من الجَدْل وهو الفتل، ومنه زمام مجدول.

وقيل من الجَدَاله الّتي هي الأرض، فكأنّ كلّ واحد من الخصمين يقاوم صاحبه حتّى يغلبه فيكون كمن ضرب به الجداله، وجدلت الحبل أي أحكمت فتله، وجدلت البناء أي أحكمت بناءه.

وجاء في تعريفه: تخاصم يشغل عن ظهور الحقّ ووضوح الصّواب، وهو كلّ اعتراض على كلام الغير بإظهار الخلل فيه، إمّا باللّفظ (والأولى السّكوت عنه ما لم يكن) وإمّا بالمعنى وأمر الدّين.

والمجادلة قصد إفحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بالقدح في كلامه ونسبته إلى القصور فيه، أمّا الباعث عليه فيكون لإظهار العلم والفضل والتهجّم على الغير بإظهار نقصه، وهما شهوتان باطنتان للنّفس:

١- بإظهار الفضل بسبب ما في الإنسان من طغيان دعوى العلوّ والكبرياء، وهي من صفات الرّبوبيّة.

٢- تنقيص الآخر بسبب الطّبع البغيّ عند الإنسان بتمزيق الغير وإيذائه.

حتّى ولو كان في مسألة علمية، لذلك سمعنا الشّافعيّ يقول: “ما جادلت أحداً إلّا تمنيّت أن يظهر الحقّ على لسانه”، أمّا حكم الجدال فيدخل في الكبائر كما عدّه الإمام الذّهبيّ في كتابه الكبائر.

وهناك صورة محمودة للجدال، وهي أن تكون بحقّ وبأحسن كل شيء (طريقة، أسلوباً، كلماتٍ وألفاظاً)، قال تعالى: { وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }، وقال أيضاً: { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }.

فلا جدال في الباطل أو عن أهله، قال تعالى: { وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا }.

ولا جدال في الله بعد كلّ آياته وصفاته ومعجزاته، قال تعالى: { وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }.

ولا جدال في آيات الله بغير علم، قال تعالى: { وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ }، فكانوا في صمود بالباطل ويرون البراهين الّتي أرسلها الله إليهم بأهوائهم وعنادهم.

رغم أنّ الإنسان بطبعه يحبّ الجدال، قال تعالى: { وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِن كُلِّ مَثَلٍ ۚ وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا } بل هي غريزة فيه، قال تعالى: { يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ }.

لكن المذموم في الجدال هو الّذي يورث الضّلال، ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدال، ويُقعد عن العمل، إذا أراد الله بعبد شرّاً أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل.

يقول الإمام مالك رحمه الله: “الجدال في الدّين يُنشئ المراء ويذهب بنور العلم من القلب ويُقسّي القلوب، ويورث الضّغائن”.

وكانت العرب تكثر الجدال في الحجّ في أيّهم يصدف موقف إبراهيم عليه السّلام في أماكنه وزمانه ونُسُكه والفخر الأعمى بآبائهم، وهذا كلّه ليس موضعه الحجّ.

{ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ }: فهو تحريض على حسن الكلام وأعمال البرّ والتّقوى.

{ وَتَزَوَّدُوا }: وفيه أهمّيّة العمل والسّعي وتحضير الزّاد مع التّوكّل لا عوضاً عنه، وفيه التّزوّد من الأعمال الصّالحة لرحلة الآخرة، ومن تفاسير { وَتَزَوَّدُوا } أي الرّفيق الصّالح.

عودة إلى الفهرس

من آيات الحجّ:

(الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

من أخلاقيّات الحجّ:

ترك الشّهوات والمعاصي والجدال والخصام وسائر الذّنوب، وهي صيغة نفي، وحقيقتها نهي، وذلك أبلغ، إذ لا ينبغي أن يصدر من الحاجّ هذه الأمور.

لا بدّ أنّ نقف مع أنواع الذّنوب:

1- الكبائر (أكبر الذّنائب): وهي ما نهى الله عنه، وأوعد عليه النّار، وأوجب الحدّ في الدّنيا، واختلفوا في عددها، وقيل هي إلى السّبعين أقرب.

2- الصّغائر: فهي الذّنوب الّتي أمرنا ربّنا بتركها، بقوله تعالى: { وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ }، وهي دون الكبائر.

كما قال الشّاعر:” خلّ الذّنوب كبيرها وصغيرها، فهو التّقيّ واصنع كماشٍ فوق أرض الشّوك يحذر ما يرى، لا تحقرنّ صغيرة، إنّ الجبال من الحـصى”.

وبيّن ذلك رسول الله لأصحابه حين نزلوا وادياً، وأمرهم بجمع الحطب، وقال: ( لا تحقروا شيئاً تأخذوه )، فجمعوا سواداً عظيماً، فقال لهم: ( ألا ترون ! هكذا تكون المحقرّات من خير وشرّ ).

الذّنب إذا صغر عند العبد، عظم عند الله، وإذا استعظمه العبد، صَغُرَ عند الله، إنّكم لتعملون أعمالاً هي أدّق في عيونكم من الشّعر، كنّا نعدّها في عهد رسول الله من الموبقات.

{ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ }.

{ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ }.

{ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }.

{ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ }.

{ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ }.

الكفر:

قال تعالى: { وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ }، وقال: { فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ }، والكفر على طبقات وصور وأنواع:

١- أقبحه وأشده، وهو الكفر بالله: وهو جحود الواجب الوجود.

٢- ودونه، كفران النّعمة، وهو نوعان:

– كفر نعمة الخالق: عن جحود، أو عن غفلة، وتحتاج إلى تنبّه وتوبة.

– كفر نعمة المخلوق: كالخيانة وعدم الأمانة والجفاء وترك الوفاء، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له ).

من صور الكفر:

الفرقة والاختلاف بين المسلمين، ومما جاء فيه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( لا ترجعوا بعدي كفّاراً يضرب بعضكم رقاب بعض )، وقوله تعالى: { وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ }.

أسباب الفرقة والاختلاف:

– ترك سبيل الله، واتباع سبيل الشّيطان، قال تعالى: { وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }.

– ترك جزء من الدّين، إمّا نسياناً أو إهمالاً، قال تعالى: { فَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ }، وقوله: { إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ }، والحلّ أن نفهم الدّين فهماً صحيحاً.

– البغي: قال تعالى: { وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ }، وقد فسّر رسول الله البغي بقوله: ( دبّ إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة، لا أقول تحلّق الشّعر ولكن تحلّق الدّين، والّذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنّة حتّى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتّى تحابّوا )، لأنّ الإيمان والحسد لا يجتمعان في قلب أبداً.

– تغيّب العقل بترك كتاب الله: قال تعالى: { تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ }، وقوله: { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ }، فكلّما ازداد المسلمون إقبالاً على كتاب الله فهماً وتطبيقاً وتلاوة، ازداد عقلهم وازدادوا اتّحاداً ووحدة.

– الانشغال بالدّنيا والزّهد بالآخرة: قال تعالى: { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ ۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ }، فإذا وقع هذا الدّاء بين المسلمين، حلّت العداوة والبغضاء بينهم، مصداقاً لقول رسول الله: { لا تُفْتَحُ الدُّنْيَا عَلَى أَحَدٍ إِلا أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ }.

الفسوق:

هناك كلمات في القرآن تأتي معاً، لكنّها ليست مترادفات، بل لكلّ كلمة منها معنى، مثلاً:

– الفحشاء والمنكر:

الفحشاء: شيء تأباه الفطرة، أمّا المنكر: شيء يأباه العقل.

فإذا أنكر العقل شيئاً فهو المنكر، وإذا أنكرت النّفس شيئاً فهو الفحشاء.

– الإثم والعدوان:

الإثم ما كان محرّماً لذاته، كالزّنا وشرب الخمر، أمّا العدوان: ما كان محرّماً لقدره، كأن تأخذ ثمن سلعة بأكثر ممّا ينبغي، فمباح أن تأخذ قدراً منه، لكن المفروض أن تأخذ أكثر ممّا ينبغي.

فالعدوان معصية قدر لا معصية جنس، والإثم معصية جنس لا معصية قدر.

– الفسوق والعصيان:

أصل كلمة الفسوق من فسق التّمرة إذا خرجت منها نواتها، فالفسوق خروج من الدّين كخروج النّواة من التّمرة.

الفسق نوعان:

1- مفرد مطلق: فسوق كفر، يُخرج عن الإسلام، قال تعالى: { وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ }، ونقض العهد بكون إمّا بالقول أو تكذيب بالفعل، كمريض لا يأخذ دواء الطّبيب، وعقابه النّار، قال تعالى: { وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ }.

2- فسق مقرون بالمعصية:

فسق لا يخرجك من الإسلام، إنّما هي معصية نهانا الله عنها، فهذه المعصية تستوجب توبة، قال تعالى: { وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ }، وقال تعالى: { إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا }، عندما تكون معصيته فسقه، لم يلغي رواية الفاسق، بل أمرنا بالتّحقّق منها.

أمّا العصيان: هو كلّ ما فيه معصية الله تعالى، وترك طاعته.

الجدال:

لغة: الجيم والدّال واللّام، وهو استحكام الشّيء في استرسال يكون فيه، ومنه المفاوضة على سبيل المنازعة والمغالبة، وجدلت الحبل اي أحكمت فتله، وجدلت البناء أي أحكمته.

اصطلاحاً: التّخاصم بما يشغل عن ظهور الحقّ ووضوح المذهب، كلّ اعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه قصد إقحام الغير وتعجيزه وتنقيصه بفرض تحقيره.

الباعث عليه: التّرفّع بإظهار العلم والفضل، وهو عين الكبر. أو إظهار نقص الغير، وهي شهوة مذمومة.

حكمه: من الكبائر كما عدّها الإمام الذّهبيّ في كتابه الكبائر (الكبيرة السّتّون)، أمّا إذا كان غايته الوقوف على الحقّ وتقريره كان محموداً.

والجدال يفسد العبادة، قال تعالى: { وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ }.

أحكامه:

– لا يجوز الجدال في الله، وعاقبة من يجادل في الله، صاعقة.

– لا جدال بغير علم.

– لا جدال عن الباطل.

قالوا فيه: إذا أراد الله بقوم شر فتح عليهم الجدل، ومنعهم العمل.

ومن عواقبه: يورث البغضاء، ويغري بالتّمادي في الباطل.

الخصومة واللّدد:

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( إن أبغض الرّجال إلى الله الألدّ الخَصِم )، الألدّ: شديد الخصومة.

إيّاك والخصومة فإنّها تمحق الدّين، قال صلّى الله عليه وسلّم: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنّة لمن ترك المراء وإن كان محقّاً، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه )، وقال: ( ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلّا أوتوا الجدل )، وهو جدال التّعصّب.

وقال صلّى الله عليه وسلّم: ( وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ الْمُتَشَدِّقُونَ )، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ، فمَا الْمُتَشَدِّقُونَ ؟ قَالَ: ( الْمُتَكَبِّرُون ).

الثّرثرة والتّشدّق يُصاب بهما من حرّم أدب الحديث الّذي علّمنا إيّاه ربّنا ورسولنا الكريم، قال تعالى: { لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً }، وقال أيضاً: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ }.

فنهى عن النّجوى بالإثم والعدوان وأمر بالبرّ والتّقوى، كما نهى في آيات الحجّ والشّعائر عن التّعاون بالإثم والعدوان، وحثّ على تعاون البرّ والتّقوى، بقوله تعالى في سورة المائدة: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَالحرام … وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }، فالإسلام ينهى عن كلّ ما يفرّق الأمّة، كما أنّ البرّ والتّعاون من أركان الهداية الاجتماعيّة في القرآن.

ونهى عن الجدال وما ينتج عنه، فلا أنانيّة ولا خصام بل إيثار ووئام، فأمر الله بالبُعد عن التّرّهات والجدال من أجل المحافظة على ودّ الآخرين وجمع كلمتهم، قال رسول الله: ( مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ).

وعندما يكتمل حسن المؤمن وتعمّق إيمانه، يندفع إلى العمل الصالح رغبةً في ثواب أنّ الله مطّلع عليه، قال تعالى: { وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ }.

فالعاقل يجب أن يحمل مؤونة تكفيه في أيّ سفر، فكيف بسفر طويل بين أمد كالموت، لذلك لمّا كان خير الزّاد (التّقوى) كان لا يدرك حقيقة ذلك إلّا من استنار قلبه بالإيمان، واستضاء عقله بالهداية (أولي الألباب).

أمّا الكبر، فعرّفه رسول الله حين قال: ( لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ بَطَرُ الْحَقِّ، وَغَمْطُ النَّاسِ)، فالكبر: عدم اتّباع الحقّ بعد ما تبيّن، واحتقار النّاس وازدراؤهم.

فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ

  • قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }.

التّقوى: الالتزام بشرع الله، طاعة ورغبة.

أوّل ما يفكّر فيه المسافر إلى بلد ما، نوع العملة المتداولة في تلك البلد، وعملة رحلة الآخرة (الأعمال) وليس الأمانيّ، قال تعالى: { لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ۗ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا }، فلا قيود على الوزن.

الإنسان الّذي يعيش بلا هدف ولا رابطة مع السماء ينسى إنسانيته.

  • قال تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ*الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ*وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ*وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ*وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ }.

فصفات المتّقين، هي:

١- مسارعون، قال تعالى: { وَمَا أَعْجَلَكَ عَن قَوْمِكَ يَا مُوسَىٰ* قَالَ هُمْ أُولَاءِ عَلَىٰ أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَىٰ }.

٢- ينفقون في السّرّاء والضّرّاء، فهم يملكون أنفسهم ورغباتهم.

٣- لا يظهرون غيظهم فهم يكتمونه، قال رسول الله: (ليس الشّديد بالصُّرَعة، إنما الشّديد الّذي يملك نفسه عند الغضب).

٤- يسامحون، ويعرفون أن ربّهم يسامح { ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ }، فيستغفرون عن كلّ صغيرة وكبيرة، وبذلك يصبحون من المتّقين.

  • قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَٰكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ }.

ينصح علماء الطّبيعة والبيئة بالإكثار من التّشجير والمحافظة على الغابات، لأنّ لها علاقة بترطيب الأجواء بالمطر، لكن هناك علاقة بين تقوى الإنسان وورعه وعوامل الطّبيعة وبين التّقوى ورزق الإنسان، فالتّقوى يقظة واعية تصون الإنسان من التّهوّر والغرور وتوجّه جهد الإنسان لعمارة الأرض، فالإيمان والتّقوى مكمّلان في طريق الخير، فيحدث لقاح خفيّ يولد بأنوار البركات الرّبانيّة لينهمر العطاء الإلهيّ وليتلاحم مع جود الأرض ليفتح الخير ويعمّ البلاد والعباد.

عودة إلى الفهرس

من معاني الحجّ

نعيش أيّام عشر ذي الحجّة الفضيلة، نعيش أيّام الحجّ، وكما للحجّاج حجّهم لنا حجّنا، فهو لنا “حجّ القلوب”؛ لأنّ الحجّ قصد إلى معظّم، ومناسك وشعائر لا يعظّمها إلّا من حصّل تقوى القلوب، قال تعالى: { ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ }.

وأيّام العشر موسم هامّ في حياة المسلم يتعلّم فيها دروساً كثيرة، ومن تلك المعاني الهامّة:

  • الإسلام والاستسلام والتّلبية والتّكبير:

قال تعالى: { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }.

“لبّيك اللّهم لبّيك”

“الله أكبر”

والمناسك والشّعائر وتلك البقاع المقدّسة تروي لنا أعظم قصص الإسلام والاستسلام والتّوحيد والعبوديّة والإيمان الحقيقيّ الّتي عاشها وصاغها قدوة خالدة للأسرة المسلمة، قصّة آل إبراهيم عليهم السّلام.

ثمّ يأتي يوم عرفة، اليوم الأعظم في العام كلّه بعبادته المشهودة ودعائه المستجاب وعطاياه الجزيلة.

ثمّ يأتي يوم النّحر وأيّام العيد، لنعود بعدها نفتتح صفحة جديدة مع ربّنا نستأنف فيها العمل.

صفات سيّدنا إبراهيم:

1- كان أمّة واحدة، قال تعالى: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً }.

2- كثرة القنوت، قال تعالى: { قَانِتاً لِّلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }، وقال أيضاً: { إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }، قلبٍ خالٍ ممّا سوى الله تعالى.

3- كان شكوراً كثيرَ الحمد، قال تعالى: { شَاكِراً لِّأَنْعُمِهِ }، ودائم الدّعاء، قال تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ }، وقال تعالى: { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي }.

4- كان صدّيقاً نبيّاً، قال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً }.

5- يدعو بالحكمة والموعظة الحسنة، قال تعالى: { إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئاً * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطاً سَوِيّاً * يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ عَصِيّاً * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }.

6- رحيماً بأهله وقومه، قال تعالى: { قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ ۖ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي ۖ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }.

7- كان رشيداً، قال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ }.

8- كان متوجّها كلّياً إلى ربّه مسلّماً له، قال تعالى: { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }، وقال تعالى: { وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰ }.

9- كان ذا حجّة ومنطق سليم، قال تعالى: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ ۖ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }.

10- كان من أولي العزم والصّفوة أصحاب الفضل على الدّعوة، قال تعالى: { وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ }.

– لنا أن نتصوّر فرحة إبراهيم عليه السّلام عندما رزق بابنه على كبر سنّه وشيخوخته.

– لم يخطر له إلّا خاطر التّسليم لإرادة الله بمجرّد الإشارة.

– استعدّ ليقدّم أنفَسَ ما عنده.

– وكلّ ما قدّمه هو مُلك لله تعالى أساساً.

– يعرض الموضوع على ولده لينال أجرَ الطاعة ولذّتها، ويتذوّق حلاوة التّسليم.

– هي حقيقة الإيمان وجمال الطّاعة وعظمة التّسليم.

{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ }

بعد صراع مرير مع قومه، قرّر الخليل إبراهيم الهجرة من ديار الجهل والظّلم إلى ديار الحرّيّة والأمن.

كانت هجرة نفسيّة قبل أن تكون هجرة مكانيّة، هجر فيها أباه، وقومه، وأهله، وبيته، وموطنه، وترك كلّ عائق وكلّ شاغل، هجرة من شتات إلى توحيد واحد.

(ما من مولود إلا ويولد على الفطرة)

يقول عبّاس العقّاد: “في النّفس البشريّة جوع نحو الدّين”

هذه الفطرة تجذب الإنسان نحو خالقه وخالق الأكوان، عندما تتاح للإنسان فرصة التأمّل في الملكوت، والخلوة مع النّفس وصفاء التّفكير، تتحرّك فطرته وتستجيب دقّات قلبه لإيقاع الحياة.

بحث بين المكونات فاهتدى إلى المكوّن، ثم شاهد آثار القدرة الإلهيّة حتّى انتقل من الإيمان إلى الإيقان.

تأمّل في الأصنام ثمّ الكواكب، وعاش في النّار، وعاين آثار الرّحمة، لذلك تطلّع إلى مزيد من الاستمتاع بمشاهد تلك القدرة الإلهيّة، فطلب من ربّه مشاهدة إحياء الموتى، قال تعالى: { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي }، هذه الطّمأنينة الّتي يصل لها الذاكر من خلال ذكره، قال تعالى: { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }.

{ وَإِذِ ابْتَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ }

– الكلمات هي ابتلاءات.

– بفطرته السّليمة وصل إلى الإيمان اليقين.

– عندما سمع بالعقوبة { حَرِّقُوهُ } لم يتردّد ولم يخاف ولم يتبدّل.

– شهر كامل وهم يجمعون الحطب لحرقه، لم يجبن ولم يتراجع.

– تقدّم لمصيره، لم ينطق إلّا بـ { حسبي الله ونعم الوكيل }، ثقة كاملة، وإيمان حقيقي بالله.

– لأجله تغيّرت نواميس الكون.

– عندها هاجر وتركههم بعد أن تمّت الهجرة النّفسيّة قبل المكانيّة.

– فلمّا اعتزلهم … وهبنا له، (من ترك شيئاً لله عوّضه خيراً منه).

– ثقة كاملة، { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ }.

– عمل في الدعوة.

– ابتلاء في حصر، كانت بعده الهديّة (سيّدتنا هاجر) الّتي ستحمل له ولده.

– نجح، جاءه الولد بعد طول انتظار.

– ابتلاء جديد، التخلّي عن الزّوجة والولد في صحراء الجزيرة.

– إيمانه، ثقته، دعاؤه … نجح إبراهيم، نجحت سارة.

– امتحان هاجر، وكلمتها الخالدة: (إذن لن يضيّعنا)، واثقة لكنّها لا تعرف كيف (لم تعتمد على الموارد بل انطلقت من الإنسان المؤمن).

– كم كانت أوّل ليلة موحشة، بعدها جاء الفرج، وجاء النّاس.

– قصّة الحضارة الّتي بناها إبراهيم عليه السّلام.

– غاب سنوات، أمّه ربّته وحفظته.

– عاد بعد عشر سنين، واثق بوعد الله.

– ابتلاء جديد، ومهمّة جديدة (بناء الكعبة).

– وحده مع ولده نجحا في الاختبار، لنتعلّم منهما دعاءهما: { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }.

– انتهت المهمّة، امتحان جديد (الرّؤيا وذبح الولد).

– عرض الشيطان لإبراهيم فرجمه فنجح، وهاجر رَجَمَتهُ فنجحت، وإسماعيل رَجَمَهُ أيضاً فنجح.

– (أسلما) جاء الفرج، ليس المقصود أن يعذّبهم.

عودة إلى الفهرس

خواطر يوم عرفة

يوم عرفة يوم الحجّ الأكبر

سمّى الله عزّ وجلّ يوم عرفة بـ (يوم الحجّ الأكبر)، وكانت قد نزلت يوم حجّة أبي بكر.

يومٌ عظيمٌ مشهودٌ

– تشهده الملائكة وينزل فيه الرّب، قال تعالى: { وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ }.

يوم عزّة ونصر

– أنزل الله تعالى قوله: { الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ ۚ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِيناً }.

يوم عيد

– { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ }

يوم آل إبراهيم

يوم المسلمين باتّباع سيّدنا إبراهيم، هم المسلمون الحقيقيون

وحدة وتآلف وتعالي عن الخلافات

اتّباع واقتداء

اكتمال الدّين وتمام البناء / اكتمال الإسلام

– كانت شعيرة الحج، آخر شعائر وأركان الدّين اكتمالاً، وهي هدي سيّدنا إبراهيم ونسكه، قال تعالى: { إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَٰذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا }.

– هو أبونا وسمّانا المسلمين، قال تعالى: { مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ }.

– سيّدنا إبراهيم كان حنيفاً مسلماً، لا كما زعمت اليهود والنّصارى، قال تعالى: { مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلَا نَصْرَانِيّاً وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.

فما هي صفات سيّدنا إبراهيم الواجب اتّباعها ؟

يوم النّحر والعيد.

استئناف العمل والانطلاق من جديد.

سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

  • منهجه:

– التّفكّر في الملكوت، قال تعالى: { وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }.

– البحث عن الله ورؤية آياته، قال تعالى: { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.

– { إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }.

– { طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ } بعد أن طهّر قلبه.

  • أكبر همّه:

– { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا }.

– { وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ }.

– { وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ }.

– { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا }.

– { وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ }.

– { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي }.

– { رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ }.

  • دعاؤه:

– { رَبِّ هَبْ لِي حُكْماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ }.

– { وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ }.

– { وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ }.

– { وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ }.

خوارق أدعيته:

– {فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ)، أمنية كلّ مسلم.

– { وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ }، تحقّقت.

  • مآثره:

– { وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ }.

– { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ }.

– حسن ظنّه بربّه، قال تعالى: { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ }، { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ }.

– { فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِّي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ }.

– { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ * وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ }.

– عدم يأسه، قال تعالى: { قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }.

  • صفاته:

– التبرّؤ من الكفر وأهله، قال تعالى: { أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }، { إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ }، { فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ }.

– { وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ } من الإيقان وهو قمّة اليقين.

– كثير الأنين لرقة قلبه، قال تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ).

– الصدّيق كثير الصّدق، قال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيّاً }.

– قال تعالى: { إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }، من الحفاوة.

– الشّقاء في الدّعاء، قال تعالى: { وَأَدْعُو رَبِّي عَسَىٰ أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيّاً }.

– { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَٰذَا بَلَداً آمِناً }.

– كان سبّاقاً، لم يتردّد ولم يسأل، في الطّاعة كان الأوّل، كما قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن أبي بكر الصّدّيق: ( لم تكن له كبوة )، وقال تعالى: { إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ ۖ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ }.

– شاكراً لأنعم الله، قال تعالى: { الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ }.

  • رحمته:

– { وَمِن ذُرِّيَّتِي }.

– يفكّر في الأجيال القادمة، قال تعالى: { وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ }.

– { فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }.

  • مكانته:

– { وَقَدْ هَدَانِ }.

– { فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.

– { فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ }.

– { وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّ }.

– { وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ }.

– { وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً }.

– { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا صَالِحِينَ }.

صفاتهم: قال تعالى: { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ ۖ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }.

  • وصيته:

– { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }.

  • حلمه:

– { يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ }.

السّيّدة هاجر عليها السّلام

– (آلله أمرك بهذا ؟ اذهب، فلن يضيّعنا الله).

– تطبيق شرطي النّصر:

1- الثّقة والإيمان.

2- السّعي والعمل.

– أمّة الإسلام، طفل يبكي في وسط صحراء قاحلة.

– فإذا قمنا بواجب السّعي مع كمال الثّقة والإيمان، فإن ينبوع النّصرسيخرج من بين أقدام الطّفل، ولن ينضب بعدها أبداً.

سيّدنا إسماعيل عليه السّلام

  • فضّله:

– { وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً ۚ وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ }.

– اجتباه وهداه: { وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }.

– جعله من الأخيار: { وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ ۖ وَكُلٌّ مِّنَ الْأَخْيَارِ }.

  • صفاته:

– صادق الوعد: { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ }.

– رسولاً نبيّاً: { وَكَانَ رَسُولاً نَّبِيّاً }.

– كان يأمر أهله بالصّلاة والزّكاة: { وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ }.

– كان مرضيّاً: { وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيّاً }.

عودة إلى الفهرس

في وداع ذي الحجّة

– مرّت مناسبة الحجّ، الرّكن الخامس من أركان الإسلام.

– تعلّمنا الكثير من الدّروس والعبر لحياتنا اليوميّة الّتي نعيشها.

– آخر وصايا الحجّ بعد أن أدّى المسلمون شعائر عرفة ويوم النّحر، (ارجعوا مغفوراً لكم، واستأنفوا العمل).

–  إذن أدلّ إكرامات من لبّى النّداء وأدّى ونفّذ أوامر السّماء، أن يُكرم بصفحة جديدة (ارجعوا مغفوراً لكم)، ليستطيع بها أن يكملوا المشوار (واستأنفوا العمل)

– يستأنف العمل وقد تعلّم من آل إبراهيم عليهم السّلام دروساً كثيرة.

–  وتعلمنا من شعيرة الحجّ ما نحتاجه لإكمال المشوار.

(ارجعوا مغفوراً لكم)

هذه الكرامة الّتي يمنّ بها علينا المولى الكريم، تبرهن على مقولة أنّ الله خلقهم ليرحمهم لا ليعذّبهم، فهو يُحصي أعمالنا صغيرها وكبيرها ويسجّل حتّى خائنة العيون وما تخفي الصّدور غير أنّه يتكرّم بالعفو والمغفرة عند كلّ فرصةٍ ومناسبةٍ.

هناك محطّات غسيل يوميّة، ومراجعة سريعة (هامّة وضروريّة):

1- الصّلوات الخمس، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( أرأيتم لو أنّ نهراً بباب أحدكم يغتسل منه كلّ يومٍ خمس مرّات، هل يبقى من درنه شيء ؟ )، قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: ( فذلك مثل الصّلوات الخمس، يمحو الله بهنّ الخطايا ).

2- إسباغ الوضوء.

3- كثرة الخطا إلى المساجد.

4- انتظار الصّلاة بعد الصّلاة.

5- التّأمين بعد الإمام، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( إذا أمّن الإمام فأمّنوا فإنّه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدّم من ذنبه).

6- الذّكر بعد الآذان، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبّاً وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالْإِسْلَامِ دِيناً غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ).

7- الذّكر في اللّيل، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَال:َ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي أَوْ دَعَا اسْتُجِيبَ لَهُ، فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ صَلَاتُهُ ).

مثلاً، حديث الصّلاة فيه وقفة: ( تحترقون تحترقون فإذا صلّيتم الصّبح غسلتها، ثمّ تحترقون تحترقون فإذا صلّيتم الظّهر غسلتها، ثمّ تحترقون تحترقون فإذا صلّيتم العصر غسلتها، ثمّ تحترقون تحترقون فإذا صلّيتم المغرب غسلتها، ثمّ تحترقون تحترقون فإذا صلّيتم العشاء غسلتها ثمّ تنامون، فلا يكتب عليكم حتّى تستيقظوا ).

  • ما علاقة تحترقون بالوضوء ؟ ما علاقة الغضب بالوضوء ؟

الوضوء تخرج مع الخطايا (حتى يخرج نقيّاً من الذّنوب) وفي حديث (ما لم تغش الكبائر).

وهناك غفران أسبوعيّ: (الجمعة إلى الجمعة كفّارةٌ لما بينهما).

وهناك موسميّ: (العُمرة إلى العُمرة).

وهناك سنويّ: (رمضان إلى رمضان).

فضائل صيام بعض الأيّام مثل يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفّر سنة قبله وسنة بعده، ويوم عاشوراء يكفّر سنة قبله.

فضائل الأعمال، من قال سبحان الله وبحمده مائة مرّة حطّت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر.

(واستأنفوا العمل)

أمرٌ عامٌّ شامل، يشمل كلَّ العمل:

1- أعظم العمل: غاية الوجود، العبادة الّتي تُحَصٍّل المعرفة، قال تعالى: { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } أي يعرفون.

2- أشرف عمل: ذروة سنامه الجهاد، وهو على مراتب:

أ- الجهاد الأكبر: وهو ما قال عنه النّبيّ لمّا سُئل: وما الجهاد الأكبر ؟ قال: ( مجاهدة العبد هواه )، وبذلك يكون بذل الجهد في تزكية النّفس.

ب- الجهاد الكبير: وهو بالقرآن الكريم، قال تعالى: ( وَجَاهِدْهُم بِهِ جِهَاداً كَبِيراً ) بالدّعوة والحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالّتي هي أحسن، وبذلك يكون بذل الجهد بتعليمه ونشره والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وتعليم الخير.

ت- الجهاد الأصغر: وهو مجاهدة المعتدي، أو من يقف في وجه نشر الدّعوة بآداب وقوانين سنّها الإسلام، لم تعرف البشريّة فاتحاً أرحم منه، فلم يقهروا الشّعوب، ولم يستنزفوا خيراتها، إنّما فقط انتصر الحقّ على الباطل، والعلم على الجهل، والحرّيّة على الاستعباد، والعدل على الظّلم، والكرامة على الذّلّ، وبذلك يتحقّق قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ( المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله ).

3- أسمى العمل: عمارة الأرض والقيام بمهمّة الاستخلاف حتّى آخر رمق.

أ- قول رسولنا الكريم: ( إذا قامت السّاعة وبيد أحدكم فسيلة فليغرسها ).

ب- قال تعالى: { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ }.

تعلمنا من آل إبراهيم عليهم السّلام

– عمل في الدّعوة رغم صغر سنّه، وأقام الحجّة على قومه.

– هاجر ليبحث عن موطن آخر للدّعوة ينشر فيها الدّين الصّحيح الّذي عرفه.

– انتقل من العراق إلى بلاد الشّام إلى مصر إلى فلسطين وهو يدعو ويعلّم.

– عمل في بناء بيت الله الحرام وساعده في العمل ولده الصغير.

علّمتنا أمّنا هاجر، شرطي النّصر والتّمكين، والإنجاز والنجاح: الإيمان والثّقة المطلقة + السّعي والعمل.

(إذن لن يضيّعنا)

{ وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ }.

{ قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ }.

سعت بين الصّفا والمروة جهدها (عليك النّداء وعلينا البلاغ)، عندها خرج ينبوع النّصر الّذي لا ينضب، من تحت أقدام طفل المستقبل، ليبقى أثراً خالداً شاهداً.

– تعلّمنا من هذه العائلة العظيمة حقيقة العمل والتّضحية والفداء (الأب والأمّ والابن) في ابتلاء الفزع العظيم.

وبعد ذلك كلّه (استأنفوا العمل)، فعاد سيّدنا إبراهيم إلى فلسطين نبيّاً ومعلّماً، وبقي إسماعيل نبيّاً ورسولاً معلّماً هادياً.

– تعلّمنا خطر الشّيطان وصدّه.

تعلّمنا من سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

  • منهجه:

– التفكّر في الملكوت، قال تعالى: { وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ }.

– البحث عن الله ورؤية آياته، قال تعالى: { إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً ۖ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ }.

– المحافظة على قلبه السّليم، قال تعالى: { إِذْ جَاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }.

  • أكبر همه:

– القبول من الله، قال تعالى: { رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ }، { رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ }.

– أن يكون مسلماً حقيقيّاً، قال تعالى: { رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ }، { وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ }.

– يؤدّي عباداته، قال تعالى: { رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي }، { وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا }.

– أن تكون ذريّته أمّةً مثله، قال تعالى: { وَمِن ذُرِّيَّتِي }، { وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ }.

– ووصيّته لأبنائه: { وَوَصَّىٰ بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ }، فكانت مكافأته إنّ ابراهيم كان أمّةً.

  • دعوته:

– يدعو للقيم، قال تعالى: { دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً }.

– يدعو للعبادة والتّقوى، قال تعالى: { اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ }.

– التّقوى والرّزق، قال تعالى: { فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ }.

– العبادة والشّكر، قال تعالى: { وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ } وكانت مكافأته شاكراً لأنعمه.

– التّبرّؤ من الكفر وأهله، قال تعالى: { أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ }، فلا يخاف ما تشركون به، وبالمقابل { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ }.

  • مآثره:

– حسن ظنّه بربّه، قال تعالى: { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ }، { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ }.

– عدم يأسه، قال تعالى: { قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ }.

– الأمن بحسن الإيمان، قال تعالى: { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ }.

تعلّمنا من الحجّ

فيعود الحجّاج الّذين حصلوا على:

– دورة روحيّة مميّزة في الطّاعة والعبوديّة.

– تعلّموا معاني الوحدة والمساواة والتّعاون.

– حصل لقاء الخبرات وتبادل المعارف.

– شعروا بعزّة الإسلام وشرف عبوديّته.

– زاروا البقاع الطّاهرة وتنفّسوا عبق الأطهار.

– حملوا همّ الأمّة وعانوا معاناتها.

– تعلّموا سرّ دعاء عرفة.

– أعلنوا هجرهم للشّيطان وتجديد عدائهم.

عودة إلى الفهرس

من مشاهد يوم عرفة العظيم

  • يوم أخذ العهد:

جاء في الحديث الصحيح: (أخذ الله تبارك و تعالى الميثاق من ظهر آدم بـ ( نعمان ) – يعني عرفة – فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذر، ثم كلمهم قبلا قال: (أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ))، فما أجمل ذلك الكلام وما أعظم أثر ذلك الخطاب.

قطرة من يوم (أَلَسْتُ) تكفي لتحرر من التشويش والمحن والرضا بالبعد والهوان، مثل شخص كان في طريق الحج فضلّ الطريق، فوجد خيمة فاستسقى أهلها فأعطوه ماء فذاقه، أحرّ من الماء وأملح من الملح، فأحرق شفته، فقال للمرأة من باب الشفقة: لو خرجتم إلى بغداد أو الكوفة فستجدون ماء حلواً بارداً وأطعمة مختلفة وضروب النعيم. وعاد زوجها ومعه جرذان من الصحراء، فأكلها على مضض ثم نام، فسمع المرآة تحدّث زوجها عما قاله الضيف عن صنوف النعيم الموجودة في مدن مجاورة، فقال: لا تصغي لهذه الأشياء فالحسّاد في هذا العالم كثر، عندما يرون الناس يعيشون في رجاء وسعادة ونعيم كهذا يحسدونه.

فنحن عرفنا الخيارين والقرار لنا، فإذا تذكرنا العهد، ونتيجة القرار إما جنة وإما نار، فإما أن تنهض وتعمل فتجد ثمرة وإما أن تقبع.

وقد وردت هذه الآية (آية العهد) في سورة الأعراف، عند الحديث عن المكان بين الجنة والنار، وبين مصيرين مختلفين، وجبل عرفة يذكرنا بالأعراف، قال تعالى: (وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ ۚ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ ۚ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ ۚ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ * وَإِذَا صُرِفَتْ أَبْصَارُهُمْ تِلْقَاءَ أَصْحَابِ النَّارِ قَالُوا رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُم بِسِيمَاهُمْ قَالُوا مَا أَغْنَىٰ عَنكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ * أَهَٰؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ۚ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ).

ولكن هناك سرّ وشرط للنجاة على ذلك الجبل، فالآية التي سبقت آية الميثاق مباشرة: قال تعالى: (وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، فليست النجاة والضمان بارتقاء الجبل، إنما الضمان بـ (أخذ الكتاب بقوة).

  • يوم المعرفة:

سمّي يوم عرفة بهذا الأسم نسبة للمعرفة، المعرفة بكل أنواعها:

  • أن تعرف حقيقة نفسك.
  • أن تعرف طبيعة شيطانك.
  • هي هذا اليوم تعرف ذنوبك وموقعك وتقصيرك فيما فات.
  • تعرف كيف تصلح ما هو آت.
  • تعرف ربك وحقوقه عليك.
  • تعرف تكاليف استخلافه لك.
  • تعرف نقاط قوتك وضعفك.
  • تعرف ما هو المطلوب منك تجاه أمتك.

هنا عرف أبونا آدم عليه السلام حقيقة نفسه وشيطانه ودنياه ومهمته وطريق توبته وعودته.

قال ابن العباس رضي الله عنهما: “إنما سمّيت منى منى لأن جبريل حين أن أراد أن يفارق أدم عليه سلام قال له: تَمنّ، قال: أتمنى الجنة، فسميت منى لأمنية آدم عليه السلام”.

ففي منى كانت الأمنية، وفي عرفة كانت المعرفة.

تصبح أكثر معرفة لتكون أكثر استعداداً، لتلقي كلمات ربك (فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ)، هي ليست معرفة واحدة، بل مجموعة معارف؛ لذلك هي عرفات، وهنا عرف إبراهيم الخليل المناسك، وكان قدوة لنا في العبادة والسير إلى الله (وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ).

لما أرسل الله تعالى سيدنا جبريل إلى خليله ابراهيم عليه السلام ليريه مشاهد الحج، قال له: أعرفت .. أعرفت ؟

كان سيدنا إبراهيم يقول: عرفت عرفت.

عرفة يوم واحد ينطوي عليه صلاح عمر كامل، وتصحيح مسيرة حياة، فعرفة من أجل نيل المعرفة.

أهل الموقف ينالون المغفرة، لكن هل ينالون المعرفة ؟

كان ابن عطاء يقول: “قبيح بك أن تشيب وأنت طفل العقل، فلا تفهم مراد الله تعالى منك”.

  • يوم الوداع واللقاء:

قرأنا في السيرة المباركة أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما حج حجته الوحيدة، وقف يخطب في ذلك اليوم المهيب، والمشهد الرهيب، واجتمع حول النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يجتمع له مثله قبله، وقال: (لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا).

نسمع صوت النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم، ويتردد بعده صوت (ربيعة بن أمية بن خلف) نعم ! ابن أمية بن خلف، فالإسلام يجبّ ما قبله، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له. يصرخ في الناس ليسمعهم كلام رسول الله، والذي قال في الخطبة طويلة، وبالمعاني غزيرة، معانٍ عظيمة ودروس بليغة، ومنها:

(ألا وإني فرطكم على الحوض، وأكاثر بكم الأمم، فلا تسوّدوا وجهي، ألا وإني مستنقذ أناسا ومستنقذ مني أناس، فأقول يا رب أصحابي، فيقول: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك).

ففي ذلك اليوم كان الوداع، وفيه حدّد لنا النبي موعد اللقاء، ومكان اللقاء، وشروط اللقاء، فالموعد على الحوض، يوم القيامة، بشرط أن أن نرد عليه بما لا يسوّد وجهه، بل بما يقرّ عينه ويثللج صدره.

من دروس الحج:

ليس المهم أن تكون على القمة، إنما المهم أن تكون ضمن أمة تكون على القمة، لنكون من أهل الجنة لا بدّ أن نأخذ القرار بأن لا نكون من أهل النار حين نتسمك بين عرفة والأعراف، فهنا جبل وهنا جبل، وضمان رفعه (خُذُوا مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ).

يوم عرفة الذي يُثمر الإفاضة والنفرة:

قال تعالى: (فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ)، وقال تعالى: (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ).

بعد ما حصّلنا حظّنا من المعرفة، واجبنا أن نفيض على من حولنا ثم ننفر، قال تعالى: (فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)، قال تعالى: (انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا).

يوم ينادي منادٍ من بطنات العرش: أن أرجعوا مغفوراً لكم، واستأنفوا العمل.

عودة إلى الفهرس

هنيئاً لمن عرفه

نعيش اليوم ونشهد موسماً كريماً، ويوماً خطيراً، وركناً عظيماً من أركان إسلامنا، فيه خصوصيّة المكان والزّمان والمناسك، فالزّمان عرفة، والمكان عرفة، والشّعار (حجّ عرفة).

زمانٌ له خصوصيّة فيمتدّ ويسع أهل الزّمان كلّهم أينما كانوا، والمكان له خصوصية فيشهد اليوم كما شهد عبر التّاريخ أعظم المحطّات والمنعطفات واللّحظات، والرّكن له خصوصيّة ففيه العبر والعظات وكأنّه يلخّص الموضوع كله.

فما هو عرفة ؟

وماذا بعد عرفة ؟

وماذا نستفيد ونتعلّم من عرفة ؟

الزّمان عرفة

لو نظرنا في مواسم الخير والنّفحات لوجدنا أنّ رمضان أكثر امتداداً، وبإمكانك أن تكون أكثر استعداداً، لكن في يوم عرفة الأوقات محدودة، والسّاعات معدودة، فمع غروب هذا اليوم سينتهي كلّ شيء.

لذا شاءت حكمة الله أن تكون ليلة القدر ذات موعد خفيّ، أمّا يوم عرفة فظاهر جليّ، فيوم عرفة هو اليوم المشهود الّذي أقسم الله تعالى به، قال تعالى: { وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ)، فاليوم الموعود: يوم القيامة، والشّاهد: يوم الجمعة، والمشهود: يوم عرفة.

هو يوم عيد لسعة رحمة الله فيه كما جاء في الحديث الصّحيح: ( يوم عرفة ويوم النّحر وأيّام التّشريق عيدُنا أهلَ الإسلام وهي أيّام أكل وشرب )، هو يوم عتقِ العبيد، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً أو أمّةً من النّار من يوم عرفة، وإنّه ليدنو ثمّ يباهي بهم الملائكة فيقول: ماذا أراد هؤلاء ؟ ).

هو يوم خير الدّعاء، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( خير الدّعاء دعاء يوم عرفة ).

هو يوم إجابة الدّعاء، فهذا سفيان بن عيينة يقول: “شهدت ثمانين موقفاً (وقفة عرفة) وأدعو الله اللّهم لا تجعله آخر العهد بك”، فاستجاب الله له، فلمّا كان العام الّذي مات فيه لم يقل شيئاً، ولمّا سُئل عن السّبب، قال: “قد استحييت من الله تعالى”.

هو يومُ صومٍ وطاعةٍ ورجاءٍ، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفّر السّنة الّتي قبله والسّنة الّتي بعده ).

وقال صلّى الله عليه وسلّم: ( ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينزل الله تعالى إلى السّماء الدّنيا، فيباهي بأهل الأرض أهل السّماء، فيقول: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً ضاجِّين، جاؤوا من كلّ فجّ عميق، يرجون رحمتي، ولم يروا عقابي، أشهدكم إنّي قد غفرت لهم).

وعن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( إذا كان عشيّة عرفة لم يبق أحدٌ في قلبه مثقال حبّة من خردل من إيمان إلّا غُفر له)، فقيل له: يا رسول الله أهل عرفة خاصّة ؟ قال: ( بل المسلمين عامّة ).

المكان عرفة

في صحراء جرداء وجبل أصمّ، بلا تعقيدات للبناء، وبلا صور للحضارة المصطنعة، لتكون الرّوح أصفى والمعرفة أقرب.

في مكان دكّت فيه الأرض دكّاً، ليحصل تجلّي الرّب لعباده، حين ينزل ربّنا والملك صفّاً صفّاً على ذلك الجبل، وفي تلك البقعة المباركة يكون عرفة.

هو جبل، وليس المهمّ أن تكون في قمّته، بل يمكنك أن تكون في محيطه وعند سفحه، المهمّ أن تكون ضمن أمّة تكون على القمّة.

مكان عتيق، وعمل ذكريات هامّة وغالية على قلوبنا قبل بدء وجودنا على هذه الأرض، حيث شهد مناسبات ومنعطفات ومحطات يحتاج المسلم أن يتعلّم منها الكثير.

ففيه كانت (ألست).

وفيه كانت (عرفتُ).

وفيه كان الوداع واللّقاء.

وفيه تتجدّد عندنا همم العطاء.

1- عشية يوم عرفة

جاء في الأثر أنّ الله عزّ وجلّ يدنو إلى السّماء الدّنيا عشيّة عرفة، فيقبل على الملائكة، فيقول: ( ألا إنّ لكلّ وفدٍ جائزة وهؤلاء وفدي شعثاً غبراً أعطوهم ما سألوا وأخلفوا لهم ما أنفقوا، حتّى إذا كان عند غروب الشّمس أقبل عليهم، فقال: ألا إنّي قد وهبت مسيئكم لمحسنكم وأعطيت محسنكم ما سأل أفيضوا باسم الله ).

2- يوم النّحر

أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسَلَّم قال: ( ما عملَ آدميٌّ من عملٍ يومَ النَّحرِ أحبُّ إلى اللهِ من إهراقِ الدَّمِ، إنَّهُ ليأتي يومَ القيامةِ بقُرونها وأشعَارِها وأظلافِها، وإنَّ الدَّمَ ليقعُ من اللهِ بمكانٍ قبلَ أن يقعَ من الأرضِ فطيبُوا بها نفساً ) .

يوم فرحٍ وسرورٍ بما وفّقنا الله فيه من أعمال.

يوم تكبير وبركة، فقد أمرنا النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن نخرج في العيدين، فقيل: “كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ، حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، َيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ , يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَطُهْرَتَهُ”.

3- يوم القرّ

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( أعظم الأيّام عند الله يوم النّحر ثمّ يوم القرّ).

يوم القرّ هو اليوم الّذي يلي يوم النّحر، وهو يوم تقرّ فيه الحجّاج فيستريحون ويستجمّون، وهو يوم تقرّ في معارف الحجّ ودروسه وبركاته في القلوب والنّفوس.

قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( لو وُزّن إيمان الأمّة وإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر بشيءٍ وقرّ في قلبه).

النّجاح الحقيقيّ هو أن تستمرّ على الطّاعات، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ( أحبُّ الأعمال إلى الله ما دام وإن قلّ ).

هي أيّام ذكر وعبادة ومحافظة على المكتسبات، قال تعالى: { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ }، والأيّام المعدودات هي أيّام التّشريق الّتي قال عنها الحبيب المصطفى: ( أيام التّشريق أيّام أكل وشرب وذكر الله )، فما العلاقة بين الأكل والشّرب والذّكر ؟

ذلك غذاء الجسد، وهذه غذاء الرّوح.

عودة إلى الفهرس

فإذا قضيتم مناسككم

عبر ودروس الحجّ

مشاهد عرفة:

المشهد الأوّل: – في عالم الذرّ

– حقيقة خالدة معرفة الله

المشهد الثّاني : – مشهد المعرفة:

– معرفة سيّدنا آدم عليه السّلام

– معرفة سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

المشهد الثّالث : – الوداع واللّقاء:

– الأخلاق وتعاليم سيّدنا محمّد

وبعد عرفة : – الإفاضة والنّفرة واستئناف العمل

{ فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَاسِكَكُمْ }

مرّت علينا مناسبة الحجّ، ويستكمل المسلم أركان إسلامه ويقضي في تلك المرحلة الخالدة أيّاماً لا تُنسى، يتعلّم خلالها دروساً تكفيه لعامه القادم بل بقيّة عمره.

ومما نستذكره من دروس موسم الحجّ الّتي نحتاجها في حياتنا موقف عرفة الأعظم، هو الّذي قال عنه النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم (الحجّ عرفة) حيث في ذلك المكان المقدّس يعيش المسلم (٣) محطّات خالدة في تاريخ الإنسانيّة.

الموقف الأوّل : مع أبي البشر سيّدنا آدم عليه السّلام

حيث كما جاء في الحديث الصحيح ( أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان، يعني عرفة، فأخرج من صلبه كلّ ذرية ذرأها، فنثرهم بين يديه كالذّرّ ثمّ كلّمهم قبلاً قال: { أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا }.

قال تعالى: { وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ ۖ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ }.

فعلى عرفة كان ذلك اللّقاء العظيم وهناك سمعنا لذيذ خطاب الله تبارك وتعالى على عرفة عرف الإنسان ربه، ولا بدّ في هذه المرحلة وهذا المنعطف أن يعرف ربّه ليبدأ عمره الجديد -قصّته- فالسّؤال الّذي نسأله لأنفسنا هل عرفنا الله حقّ المعرفة ؟ هل عرفناه معرفة انعكست على سلوكيّاتنا ؟ متى سيحين موعد معرفتنا لله ؟ كتلك الّتي يعبّر عنها الصّالحون، فيقولون (العارف بالله).

عارف عالم موقن مؤمن فالمسلم

معرفة حقيقيّة كاملة لا وهميّة خادعة.

وعلى ذات الصّعيد كان الموقف الثّاني: مع أبي الأنبياء سيّدنا إبراهيم عليه السّلام

فهناك وبعد أن نزل أبينا آدم على الأرض عرف حقيقة نفسه وشيطانه والدّنيا الّتي سيعيش فيها وعرف سبيل توبته وطريق عودته، فتلقّى هناك الكلمات وتاب عليه ربه واجتباه.

وهناك عرف سيّدنا إبراهيم الخليل المناسك والشّعائر، فلم تكن معرفة واحدة بل عرفات.

هناك أرسل الله سيّدنا جبريل إلى الخليل سيّدنا إبراهيم عليه السّلام ليريه مشاهد الحجّ، فقال له: أعرفتَ … أعرفتَ ؟ وكان سيّدنا إبراهيم يقول: عرفتُ … عرفتُ.

فعرفة لنيل المعرفة، ونحن مطالبين كذلك بالسّعي لتحصيل المعرفة، لنعرف الحقائق الثّابتة:

– حقيقة أنفسنا.

– وحقيقة شيطاننا، ونعرف كيف نتعامل معهم.

– وحقيقة دنيانا.

– ونعرف الشّرائع والمناسك: تلك ملّة سيّدنا إبراهيم الّتي قال عنها الله: { وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَن سَفِهَ نَفْسَهُ }.

والسّؤال الّذي نطالب أنفسنا فيه:

هل عرفنا الشّريعة الّتي نزلت إلينا والتّكاليف الّتي فُرضت علينا ؟

هل رافقنا المعلّم كما رافق الخليل سيّدنا جبريل لنتعلّم، وكما رافق الكليم سيّدنا موسى الخضر ؟

فلا دين دون معلّم ودون شرائع وعلوم.

وعلى صعيد عرفة، كان الموقف الثّالث : مشهد الوداع واللّقاء

فهناك وقف النّبيّ الأكرم صلّى الله عليه وسلّم في حجّة الوداع وحوله الجمع الغفير الصّحابة الكرام ليقول قول المودّع: ( لعلّي لا ألقاكم بعد عامي هذا ).

وليقول في آخرها: ( ألا وإنّي فرطكم على الحوض وأكاثر بكم الأمم فلا تسوّدوا وجهي).

فحدّد موعد اللّقاء ومكان اللّقاء وشرط اللّقاء.

فكيف نقرّ عينه ونثلج صدره ونبيّض وجهه ؟

أوليس بتمسّكنا بأخلاقه وسننه ومكارمه الّتي بُعِثَ لأجلها.

أليس هو القائل: ( إنّما بُعثت معلمّاً، إنّما بُعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ؟ )

وتلك الحلقة الثّالثة في الدّين بعد:

– التّوحيد والمعرفة.

– والشّرائع والعبادات.

– والأخلاق وتعاليم سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم الّتي تقوم بها الأمم.

فهل يتعلّم الحجّاج أخلاق النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ويعودون بها إلى بلادهم سفراء لها ؟ وهل يستفيد المسلمون في يوم عرفة من هذا الدّرس فيحملونها في معاملاتهم ؟

(الدّين معاملة)، (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، (المسلم من أمن النّاس بوائقه).

وبذلك ننتمي لهذا النّبيّ الكريم وهذه الأمّة العظيمة خير أمّة أخرجت للنّاس، وشاهد على ذلك موقف الوقوف بعرفة فليس شرطاً أن نقف على القمّة، إنّما يكفي أن تكون ضمن أمّة تكون في القمّة فيتحقّق لك المقصود.

وبعد عرفة، تكون الإفاضة والنّفرة: قال تعالى: { فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ }، وقال تعالى: { ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ }، فبعد أن حصّلنا المعرفة واجبنا أن نفيض على من حولنا، وأن ننفر كما أمر ربّنا، قال تعالى: { فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} ، وقال تعالى: { انفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً }، لذلك ينادي منادٍ من بطنان العرش يوم العيد: ( ارجعوا مغفوراً لكم واستأنفوا العمل ).

وهذا هو المطلوب منّا بعد موسم الحجّ، تلك أوامر ربّنا وتشريعاته وليس لنا أن نطبّق آيات ونعطّل آيات، فالواجب الأول أن نعرف، ثمّ الإفاضة بما نعرف، والنّفرة لتبليغ ما نعرف، وبذلك نكون قد استأنفنا العمل.

عودة إلى الفهرس

بعد مواسم الطّاعة

بعد مواسم الطّاعة، يسأل المسلم نفسه، ترى أين وصلت ؟ أو كم ارتقيت ؟ أو ما هو مقداري عند الله ؟ يقول أحد الصّالحين: “إذا أردت أن تعرف مقامك عند الله، فانظر فيما أقامك”.

هل صرت تتردّد أكثر على مجالس العلم ؟ هل زاد الإيمان في قلبك ؟ هل شعرت بمحبّة الله وقربه ؟ هناك علاقة بين الطّاعات والإيمان والمحبّة؛ فكلّما فعلنا طاعات، زاد الإيمان في قلبنا فيثمر محبّة نجد حلاوتها كذلك.

– من علاقات الإيمان:

– أن يكون المحبوب الأكبر في القلب هو الله، قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ }، ويقول رسولنا الكريم: ( ثلاثٌ من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان، من كان الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ).

إذن، فطريق المحبّة: المعرفة

فكلما زادت المعرفة زادت المحبّة، بالمقابل، فالإنسان عدوّ ما يجهل، وعندما يجهل الإنسان ربّه ولا يعرف قدره، فيستصرف بما لا يليق مع جلاله وكماله.

لذلك يقول الحافظ ابن رجب: ” لا قوت للقلب والروح، ولا غذاء لهما سوى معرفة الله تعالى، ومعرفة عظمته وجلاله وكبريائه. فيترتّب على هذه المعرفة: خشيته، وتعظيمه، وإجلاله، والأنس به، والمحبّة له، والشّوق إلى لقائه، والرّضا بقضائه”.

وهذا العلم وهذه المعرفة تورث الإيمان والإخبات، قال تعالى: { وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ }، وخاصّة إذا رافق العلمَ العملُ والتطبيق، فذلك مدعاة للتّثبيت، قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً }.

لأنّ أخطر ما يواجه السّالك الانحراف بعد المعرفة، والزيغ بعد الهداية، قال تعالى: { فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا } فليس لعدم ثبوتها بل بعد ثبوتها، قال تعالى: { وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً }، فالثّبات صعب ولا يكون بكثرة الاستماع للمواعظ بل بفعلها، فالمعرفة والعلم مع التّطبيق والعمل توصل الإنسان لحالة العبوديّة الصّادقة.

حيث من واجب العبد أن يكون مع الله في جميع الحالات، “أن تكون عبده في جميع الحالات، كما هو ربّك في جميع الحالات”، في الضّعف والقوّة، في الإقبال والإدبار، في العسر واليسر، في الحبّ والكره، في السّعادة والحزن؛ لذلك قال النّبيّ: ( عجباً لأمر المؤمن إنّ أمره كلّه خير، وليس ذاك لأحدٍ إلّا للمؤمن ).

فهذه علاقة إيمان وصدق عبوديّة، فالعبوديّة تبنى على ثلاثة أصولٍ معاً: الخوف، والرّجاء.

عودة إلى الفهرس

للاستزادة حول الموضوع، يمكن الرّجوع للمراجع التّالية:

  • الحجّ والعمرة – نور الدّين عتر.
  • رحلة الحجّ حكم وأسرار – محمّد راتب النّابسلي.
  • موسوعة نفحات في أيّام الله – شريف شحاتة.
  • طوفان محمّد – محمّد خيري العمري.

للتنزيل
جميع الحقوق محفوظة 2024 © سبيلي
Scroll to top Scroll to top Scroll to top