عبادة الصبر

بسم الله الرحمن الرحيم

ليس غريبًا ان تكون اول حصصنا في مدرسة الأخلاق تتحدّث عن خلق الصبر ، فشهر رمضان المبارك هو شهر الصبر كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خطب في آخر يوم من شعبان فقال:

(أيها الناس ، قد أظّلكم شهر عظيم ، فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوّعًا ، من تقرّب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدّى فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه. وهو شهر الصبر ، والصبر ثوابه الجنة )

وقال صلى الله عليه وسلم ( الصوم نصف الصبر)

والصبر ركن من أركان الوصول إلى الله تعالى وأصل للتقرّب منه ، حيث يقول أحد العارفين :

” لا سبيل للوصول إلى الله إلا بثلاث : الصدق والإخلاص والصبر”

ويتجلّى الصبر في شهر رمضان في مجاهدة الصائم نفسه ليلاً ونهارًا على صنوف الطاعات

فكما قالوا عن حال المؤمن في رمضان:

” للمؤمن جهادان : جهاد لنفسه بالنهار على الصيام وجهاد لنفسه بالليل على القيام ” .

ولذلك أمر الله تعالى نبيه الكريم بأمر نقتدي نحن به ، وعلى خطاه نسير فقال :

(( واصبر نفسك مع الذين يدعون ربك بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبّع هواه وكان أمره فرطًا))

حيث لا بدّ من الصبر على طاعة الله والتحمّل في جنب رضاه وعدم الانسياق والانجراف وراء الملهيّات والمغريات والمحرمات .

والصبر مطلوب لأن الله تعالى وهو الخالق الحكيم (( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )) جعل لنا مبدأً واضحاً في حدود الاستطاعة عندنا معشر البشر فقال تعالى في سورة البقرة (( لا يكلّف الله نفسًا إلا وسعها)) وفي سورة الطلاق ((لا يكلّف الله نفسًا إلا ما آتاها))

فما كان الله تعالى ليأمرنا بأمر خارج حدود طاقاتنا ولا أن ينهانا عن نهي لا نستطيع الامتناع عنه.

على أن للصبر درجات ومراتب ، بيّنها الله تعالى في ختام سورة آل عمران فقال : (( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا ))

وهي آية في عموم الصبر غير أننا نلمح في ثناياها وكأنها تتحدث عن شهر رمضان المبارك وأعشاره الثلاث ، فالعشر الأول منه يحتاج صبرًا على الطاعات والعشر الثاني يحتاج مصابرة بعد أن يبلغ الجهد من المرء ما يبلغ والعشر الثالث يحتاج مرابطة للاستمرار بعد رمضان والله أعلم.

فكم يحتاج الإنسان أن يصبر ويثبت حتى بعد رمضان على ما تعوّد عليه في هذا الشهر الكريم وهذه المدرسة العظيمة

ولنذكر مقولة أحد المربّين:

” تخلل الفترات للسالكين أمرٍّ لا بدّ منه ، فمن كانت فترة لم تخرجه كم فرض ولم تدخله في محرّم رجي له أن يعود خيرًا مما كان “

جعلنا الله وإياكم من الثابتين الواصلين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين