عبد الرّحمن بن عوف
بطل في العطاء
- عنه:
هو من أصحاب أبي بكر الصّدّيق (الصّحبة الصّالحة).
كان من الثمانية الأوائل الّذين أسلموا ومن العشرة المبشّرين بالجنّة (سبّاق إلى الإسلام).
سمّاه النّبيّ عبد الرّحمن، وكان اسمه عبد عمرو (يفضّل أن يحمل الاسم معنى جميل)، (تغيير الاسم الّذي سمّاه لنا آباؤنا ليس بالشّيء السّهل ولكن المحبّة والمودّة للنّبيّ طغت على ذلك).
هاجر إلى الحبشة كلتا الهجرتين، ثمّ هاجر إلى المدينة (سبّاق دائماً).
توفّي سنة (٣٢)هـ في خلافة سيّدنا عثمان بن عفّان.
- مؤاخاة عبد الرّحمن بن عوف مع سعد ابن الرّبيع:
قال له سعد بن الرّبيع: (إنّي أكثر الأنصار مالاً، أقسم لك نصف مالي وانظر أيّ زوجتي هويت، نزلت لك عنها، فإذا حلّت، تزوّجتها).
شكر له عبد الرّحمن على أخلاقه الطّيّبة ولكنّه آثر الاعتماد على نفسه والعمل من كسب يده، فقال: (لا حاجة لي في ذلك، هل من سوق فيه تجارة ؟).
الإسقاطات:
١. الاعتماد على الذّات، ومواجهة الصّعوبات، ولو تمّ عرض الفرص لتسهيل الأمر.
٢. المؤاخاة تمّت بين اثنين من نفس المستوى المعيشيّ.
- بداية عبد الرّحمن بن عوف في التّجارة:
انطلق عبد الرّحمن يتاجر ويعمل فيربح، ودعا له النّبيّ بالتّوفيق حتّى أصبح من أثرياء المسلمين. يقول عبد الرّحمن: (فلقد رأيتني ولو رفعت حجراً رجوت أن أصيب ذهباً أو فضّة). ثمّ راح يجود بماله ونفسه معاً، فيشهد المشاهد كلّها، لا تفوته غزوة قطّ.
الإسقاطات:
١. معرفة الأولويّات، ولو كنت رجل أعمال.
٢. رغم نجاحه في تجارته وحياته، لم يتخلّف عن الغزوات.
- في غزوة أحد:
سأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عنه، فقال للحارث: (هل رأيت عبد الرّحمن بن عوف ؟)، فقال: (نعم، رأيته إلى جانب الجبيل، وعليه جماعة من المشركين، فهويت إليه لأمنعه، فرأيتك يا رسول الله، فعدلت إليك)، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (إنّ الملائكة تقاتل معه).
قال الحارث: (فانطلقت إلى عبد الرّحمن، فوجدت بين يديه سبعة من المشركين قد قتلوا)، فقلت: (أكلَّ هؤلاء قتلت ؟!)، فقال: (أمّا هذان وأشار بيده إلى اثنين، فأنا قتلتهما، وأمّا هؤلاء، فقاتلهم من لا أره)، فقال الحارث: (صدق رسول الله).
الإسقاطات:
١. معاركة الحياة وعدم الخوف والانسحاب عند مواجهة الصّعوبات.
٢. شُيّع أنّ رسول الله قد مات، فاضطرب الصّحابة، ولكنّه كان ممّن ثبتوا.
٣. لم يدعِ الفضل لنفسه.
٤. عندما يكون إيماننا قويّاً، وثقتنا بالله عالية، فإنّ الله سيمدّنا بما لا نتصوّر (عند اليقين، يحدث المستحيل).
- في غزوة تبوك:
أمر النّبيّ بالنّفقة لتجهيز جيش العسرة للظّروف العصيبة الّتي أحاطت بتلك الغزوة، فكان عبد الرّحمن في طليعة المنفقين، فقد تصدّق بمئتي أوقية، فقال عمر: (يا رسول الله، إني لا أرى عبد الرّحمن إلّا قد اخترب، ما ترك لأهله شيئاً)، فسأله رسول الله: (هل تركت لأهلك شيئاً ؟)، قال: (نعم، أكثر ممّا أنفقت وأطيب)، قال رسول الله: (كم ؟)، قال: (ما وعد الله ورسوله من الرّزق والخير).
الإسقاطات:
١. النّجاح هو علاقة طرديّة مع العطاء، فكلّما كان العطاء أكثر كان النّجاح أكثر.
٢. لن تنالوا البرّ حتّى تنفقوا ممّا تحبّون.
٣. التّجارة مع الله هو عطاء وتوفيق في كل نواحي الحياة، فهو توفيق بالدّراسة وفي العمل وفي الوقت … الخ.
٤.الثّقة بأنّ الإنفاق سيعود أكثر، وهي شاهد على الثّقة العالية بالله.
٥. اهتمام الرّسول بأحول أصحابه والاهتمام بهم (مستوى متقدّم).
- بشارة عبد الرّحمن بن عوف في تبوك:
يوم تبوك قدّم الصّحابة عبد الرّحمن بن عوف للصّلاة بهم ورسول الله غائب لبعض شأنه، فلمّا عاد صلّى الله عليه وسلّم وجد المسلمين قد شرعوا في الصّلاة مقتدين بعبد الرّحمن، فائتمّ به، فلمّا سلّم عبد الرّحمن، قام رسول الله يتمّ صلاته، فلمّا فرغ من الصّلاة، قال لأصحابه: (أحسنتم .. وما قبض نبيّ قطّ حتّى يصلّي خلف رجل صالح من أمّته)، ففرح عبد الرّحمن بن عوف بالبشارة، وقد شهد له رسول الله بالصّلاح، وإنّ شهادة النّبيّ رأسمال لا يقدّر بثمن.
الإسقاطات:
١. مكانة عبد الرّحمن العالية بين أصحابه رضوان الله عليهم.
٢. رأسماله هو بشارة رسول الله، وليس أمواله وتجارته.
٣. قد يبشّر الله عباده للتّثبيت.
٤. إيمان الصّحابة بأهمّيّة الصّلاة على وقتها.
٥. أهمّيّة معرفة من يشهد لك بالصّلاح.
- مشاجرة عبد الرّحمن بن عوف مع خالد بن الوليد:
بلغ النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام أنّه اشتجر عبد الرّحمن بن عوف مع خالد بن الوليد رضي الله عنهما وكان بينهما كلام، فقال النّبيّ: (يا خالد! لا تؤذِ رجلاً من أهل بدر، فلو أنفقت مثل أُحّدٍ ذهباً، لم تدرك عمله)، ثمّ التفت إلى عبد الرّحمن قائلاً: (لا تؤذوا خالداً، فإنّه سيفٌ من سيوف الله، صبّه الله على الكفّار).
الإسقاطات:
١. الإسلام فسح المجال للجميع.
٢. الإصلاح لا يحتاج لذكر التّفاصيل.
٣. التّواضع بين الآخرين.
٤. تذكير بعضنا بميزات الآخرين.
٥. السّبق لا يعطي الحقّ بأن يكون فوق القانون.
- حال عبد الرّحمن بعد وفاة النّبيّ:
بقي عبد الرّحمن ملتزماً الجماعة المؤمنة والحضور الدّائم معها في مواقع المسؤوليّة دون أن يمدّ عينه إلى رئاسة أو جاه، فكان من أوائل المبايعين لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ولقد جعله عمر في اللّجنة السّداسيّة الّتي تختار الخليفة من بعده، فنحّى عبد الرّحمن نفسه واختار عثمان.
الإسقاطات:
١. المصلحة العامّة أولى من المصلحة الفرديّة.
٢. معرفة دوري ومكاني الأفضل.
٣. أوائل المبايعين، وأنّه دائماً من الأوائل.
- قافلة عبد الرّحمن بن عوف:
ارتجّت المدينة المنوّرة بأصوات مختلطة، فسألت السّيّدة عائشة رضي الله عنها: (ما هذا ؟)، فقيل لها: (عير لعبد الرّحمن بن عوف قدمت من الشّام تحمل كلّ شيء، وهي سبعمائة بعير، فارتجّت المدينة من صوت العير)، فقالت عائشة: (سمعت رسول الله يقول: (قد رأيت عبد الرّحمن يدخل الجنّة حبواً))، فلمّا بلغ ذلك عبد الرّحمن، جزع وخاف أن تؤخّره الأموال والثّروات عن اللّحاق بركب السّبّاقين الّذين ينطلقون إلى الجنّة خفافاً سراعاً، فقال: (إن استطعت، لأدخلنّها قائماً، فجعل العير الّتي قدم بها جميعاً نفقة في سبيل الله بأقتابها وأحمالها).
الإسقاطات:
١. لم يرضَ أن يدخل الجنّة حبواً، لأنّه من السّبّاقين دائماً.
٢. لأنّ أمّنا عائشة شفيقة عليه لأنّها أمّ، ذكّرته بالإنفاق.
٣. الإسلام لا يعني أن يكون الإنسان فقيراً، فالإسلام يريدك غنيّاً لكي تستطيع دعم الإسلام والدّعوة.
٤. سرعة الاستجابة، فهو من أوّل الدّعوة بطل لم يتردّد.
٥. خاف أن يتأخّر عن أصحابه في دخول الجنّة بسبب ماله.
٦. خاف أن يؤخّره حسابه لكثرة ماله، فما بال أصحاب السّيّئات ؟!.
٧. خاف أن يسبقه أصحابه إلى الجنّة والخير.
- وفاء عبد الرّحمن وصدق محبّته للرّسول:
كان عبد الرّحمن حريصاً على أمّهات المؤمنين، يقوم بمصالحهنّ ويسير في حاجاتهنّ، ففي السّنة الثالثة عشر للهجرة بعثه عمر بن الخطّاب أميراً للحجّ، وحجّت أمهات المؤمنين معه.
وهب عبد الرّحمن أمّهات المؤمنين أرضاً بيعت بأربعين ألفاً، فقالت أمّ سلمة: (سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لأزواجه: (إنّ الّذي يحنّ عليكنّ بعدي لهو الصّادق البارّ)، اللّهم اسقِ عبد الرّحمن من سلسبيل الجنّة).
الإسقاطات:
١. إكرام آل سيّدنا محمّد هي صورة من إكرام النّبيّ، وأقلّها الصّلاة عليه.
٢. إكرام العلماء وكبار السّنّ.
٣. حاله مع أمّهات المؤمنين يعني حاله مع أمّه (أجر الّذي يحنّ على أمّه، شهادة صدقه وبرّه).
٤. عدم الامتناع عن الإحسان بعد وفاة النّبيّ، وجاءته البشرى.
٥. معرفة الرّسول لأحوال رجاله.
- تواضع عبد الرّحمن بن عوف:
ظلّ عبد الرّحمن متواضعاً لا يرى لنفسه الفضل على أصحابه، بل كان يخشى أن يفوته شيء من أجورهم بسبب إقبال الدّنيا عليه.
كان دائماً يتذكّر الصّحابيّ الشّهيد مصعب بن عمير، ويبكي قائلاً: (قُتل مصعب وهو خير منّي، كُفِّن في بردة، إن غُطّي بها رأسه بدت رجلاه، وإن غُطّيت بها رجلاه بدا رأسه، ثمّ بُسط لنا من الدّنيا ما بُسط، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجّلت لنا).
الإسقاطات:
١. عدم التّكبّر والإعجاب بالنّفس وغرورها وتذكّرها الآخرة دائماً.
٢. لم يمسك الدّنيا عندما جاءته {لئن شكرتم لأزيدنّكم}.
- وفاته:
في عام (٣٢) هـ توفّي عبد الرّحمن بن عوف تاركاً وراءه مالاً وثروة عظيمة، وأوصى لأمّهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف دينار، وأوصى لمن بقي من أهل بدر لكلّ واحد بأربعمائة دينار، وكانوا مئة من البدريّين، وأوصى بخمسين ألف دينار وألف فرس في سبيل الله، فكانت السّيّدة عائشة تدعو له: (سقاه الله من ماء السّلسبيل).
افتقد أهل المدينة عبد الرّحمن بن عوف، فقد كان بمثابة الأب الرّحيم.
قال ابنه طلحة عندما توفّي أبوه: (كان أهل المدينة عيالاً على عبد الرّحمن، ثلثٌ يقرضهم ماله وثلثٌ يقضي دينهم وثلثٌ يصلهم).
كان بطلاً في العطاء وبطلاً في الثّقة بأنّ ما عند الله خيرٌ وأبقى.
الإسقاطات:
١. عدم نسيان السّابقين والأخوة وعدم البخل.
٢. أن تترك أهلك أغنياء خيرٌ من تركهم فقراء.
٣. بطل في العطاء حتّى بعد وفاته.
٤. النّاس تذكر صاحب الفضل والعطاء.
٥. كان خيره يعمّ الجميع.
٦. إذا أحبّ الله عبداً جعل حوائج النّاس عنده.