فضل عشر ذي الحجة

الحمد لله ذي العزة والكبرياء، وصلى الله وسلم وبارك على محمد خاتم الأنبياء وعلى آله وصحبه الأتقياء الأوفياء النجباء، وبعد ..

فإن مواسم الخير والبركات وأسواق الآخرة ورفع الدرجات لا تزال تترى وتتوالى على هذه الأمة المرحومة في الحياة وبعد الممات، فإنها لا تخرج من موسم إلا وتستقبل موسماً آخر، ولا تفرغ من عبادة إلا وتنتظرها أخرى.

وهكذا ما ودع المسلمون رمضان حتى نفحتهم ستة شوال، وما أن ينقضي ذو القعدة إلا ويكرمون بعشرة ذي الحجة، العشرة التي أخبر الصادق عن فضلها، قائلاً: (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام، قالوا: يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجلاً خرج بنفسه وماله، ثم لم يرجع من ذلك بشيء).

فالعمل الصالح في عشرة ذي الحجة أحبُ إلى الله عز وجل من العمل في سائر أيام السنة من غير استثناء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء من الأنبياء والرسل والعلماء والصالحين والأيام والشهور والأمكنة، إذ لا يساويها عملٌ ولا الجهاد في سبيل الله في غيرها، إلا رجلاً خرج مجاهداً بنفسه وماله ولم يعد بشيء من ذلك البتة.

ومما يدل على فضلها تخصيص الله لها بالذكر، حيث قال عز وجل: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ)، والأيام المعلومات هي أيام العشر الأول من ذي الحجة، وأيام هذه العشر أفضل من لياليها عكس ليالي العشر الأواخر من رمضان فإنها أفضل من أيامها، ولهذا ينبغي أن نجتهد في نهار تلك الأيام أكثر من الاجتهاد في لياليها، وسُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل ؟ فأجاب: “أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة”.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أيام أعظم عند الله سبحانه ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)، وكان سعيد بن جبير رحمه الله إذا دخلت العشر اجتهد حتى ما يكاد يقدر عليه، قال ابن الحجر رحمه الله في الفتح: “والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج ولا يأتي ذلك في غيره”.

فعلى المسلم أن يعمر هذه الأيام وتلك الليالي بالأعمال الصالحة والأذكار النافعة، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، وليتسابق المفلحون، وليتبارى العاملون، وليجتهد المقصّرون، وليجدّ الجادّون، وليشمّر المشمّرون، حيث تضاعف فيها الحسنات، وتُرفع الدرجات، وتنزل الرحمات، ويُتعرض فيها إلى النفحات، وتُجاب فيها الدعوات، وتُغفر فيها الزلات، وتُكفر فيها السيئات، ويُحصل فيها من فات ما فات، قال تعالى: (ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ).

ما يجب فعله لاستغلال فضيلة العشر:

  • العزم على استغلال هذا الوقت الفاضل أولاً بالرجوع إلى الله والتوبة إليه.
  • المحافظة على الواجبات والنوافل، فعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (… وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولإن سألني لأعطينه، ولإن استعاذني لأعيذنه).
  • الإكثار من التكبير والتهليل والتحميد، لما ورد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد)، قال الإمام البخاري رحمه الله: “كان ابن عمر وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما”، وصفة التكبير كما ورد في حديث ابن مسعود: (الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر والله أكبر ولله الحمد).
  • الصيام، لدخوله في الأعمال الصالحة، قال الإمام النووي رحمه الله عن صوم أيام العشر: إنه مستحب استحباباً شديداً كما ويتأكد صوم يوم عرفة لغير الحاج لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن صوم عرفة: (أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده).

وروى الإمام أحمد رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذا اليوم (أي يوم عرفة) من ملك فيه سمعه وبصره ولسانه غفر له).

عيد الأضحى:

قال تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، المراد: صلاة العيد.

والعيد من خصائص هذه الأمة المباركة، ومن أعلام الدين الظاهرة، وهو شعيرة من شعائر الإسلام التي ينبغي على المسلم تعظيمها.

من أحكام عيد الأضحى:

  • التبكير للصلاة، قال تعالى: (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ)، والعيد من أعظم الخيرات والقربات، قال البخاري رحمه الله: باب التبكير إلى العيد ثم ساق حديث البراء رضي الله عنه: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي..).
  • التكبير: يشرع التكبير من فجر يوم عرفة إلى عصر آخر أيام التشريق وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة، ويسن جهر الرجال به في المساجد والأسواق والبيوت وأدبار الصلوات.
  • ذبح الأضحية: وهي واجبة على القادر للحديث (من كان له سعة ولم يضح فلا يقربن مصلانا) وهو حديث حسن، ووقت الذبح بعد صلاة العيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح).

ووقت الذبح أربعة أيام، يوم النحر وثلاثة أيام التشريق، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كل أيام التشريق ذبح)، ومن أراد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره أو أظافره حتى يذبح.

  • الاغتسال والتطيب للرجال ولبس أحسن الثياب بدون إسراف ولا مخيلة، أما المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلى العيد بدون تبرج ولا تطيب.
  • الأكل من الأضحية: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته.
  • الذهاب إلى مصلى العيد ماشياً إن تيسر، والسنة الصلاة في مصلى العيد لفعل الرسول صلى الله عليه وسلم إلا إذا كان هناك عذر من مطر مثلاً فيصلي في المسجد.
  • الصلاة مع المسلمين واستحباب حضور الخطبة والذي رجحه المحققون من العلماء مثل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن صلاة العيد واجبة لقوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، ولا تسقط إلا بعذر شرعي، والنساء يشهدن العيد مع المسلمين حتى الحيض والعواتق، ويعتزل الحيض المصلى.
  • مخالفة الطريق: يستحب لك أن تذهب من طريق وترجع من طريق آخر لفعل النبي صلى الله عليه وسلم.
  • التهنئة بالعيد: مثل تقبل الله منا ومنكم.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.