الشكور
ورد اسم الله الشكور أربع مرات، و اسم الشاكر مرتين، و في ثلاث من أصل أربع مرات، إقترن مع اسم الغفور.
((و إنه غفور شكور))
((إنه لغفور شكور))
((إن الله غفور شكور))
وللشكر ثلاث معان:
المعنى الأول:
الزيادة الظاهرة فيقال أشكر الضرع (أي امتلاء لبناً)، والله شكور الذي يرضى بليسر من الطاعة، ويجازي عليها الجزاء الكثير.
يضيع العمر عُشره في الطفولة، وثلثه في النوم، ونصفه في الطعام، والانتظار والواجبات، وما يبقى منه للطاعه يثيب عليه نعيمٌ خالد، فيعطي الثواب العظيم لعبادات بسيطة مثل صيام يوم عرفة يكفّر سنتين.
المعنى الثاني:
الشكر بمعنى الثناء، فهو يمدح من يطيعه ويثني عليه، ويعطيهم ابتلاء ثم يشكر لهم إذا اوّفوا.
قال تعالى ((الذين ينفقون من أموالهم بالليل والنهار….))
ستر عيوبهم عن الناس، وأطلق ألسنة الحلق يمدحهم، ألهم عباده ذكره ثم مدحهم وكافأهم عليه.
وهنالك أحاديث تشهد بذلك
اسمع قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك في الطريق، فأخَّره، فشكر الله له فغفر له)
(بينما كلب يطيف بركيه كاد يقتله العطش، إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها فسقته فغفر لها به)
(جَاءَ رَجُلٌ بِنَاقَةٍ مَخْطُومَةٍ، فَقَالَ: هَذِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَكَ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبْعُ مِائَةِ نَاقَةٍ كُلُّهَا مَخْطُومَةٌ)
(دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في سبيلِ اللَّه، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ في رقَبَةٍ، ودِينَارٌ تصدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ علَى أَهْلِكَ، أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذي أَنْفَقْتَهُ علَى أَهْلِكَ)
المعنى الثالث:
الشكر بمعنى الظهور.
فالشكور لا تخفى نِعَمه ولا تغيب جمائله، فهي حولنا و تحط بنا و تغمرنا
“*كانت صفة للنساء”
وترك الشكر تؤدي الى الهلاك* “و تكون العشير” فكانت سبب دخول النار.
ذلك قالوا “كل نعمة لم يُشكر الله عليها فهي بلية”
“هو المحسن قديماً وحديثاً إليك، وشكره أيسر من مكافأة عبده إذ رضي من العباد بلحمد شكراً”
والإعتراف بالعجز عن الشكر شكر، كما قالها موسى الكليم: يارب كيف أشكرك وأصغو نعمة أنعمت بها علي لا أستطيع شكرها، فقال اليه: الآن شكرتني، وفي رواية وشكرك نعمة تستوجب الشكر، وقال: ولو إنّ لي في كل منبت شعرة … لساناً يبث الشكر كنت مقصراً.
و شكرالله ليس مجازاة له، ففضله أعظم من أن يُحصى و رحم الله ابا الدر حين قال (كم من نعمة لله تعالى في عرق ساكن)
ولهذا كان الإنسان يعتاد النعم فينسى قدرها فضلاً عن الشكر بنعمها.
وشهود النعمة فقط في الاكل و الشرب و دليل قلة الفقة.
(فإن من لم يرَ نعمة الله عليه إلا في مأكله ومشربه وعافية بدنه فليس له نصيب من العقل البتة)
ورحم من قال”كُنْ لِنِعْمة الله عليك في دينك، أشْكَرُ منك لنعمةِ الله عليك في دُنْياك”
والشكر انما يكون بالعمل ((واعملو آل داود شكراً))
كأن تنفق شكراً أو تصوم نفلاً يوم نجّى الله فيه موسى من فرعون أمر بصيامه.
وأن لا نستعمل نعمه في معصية فيقول الامام الجنيد “أن لا يُستعان بشيءٍ من نعم الله على معاصيه”
وكان من دعاء عمر بن عبد العزيز:
(اللهم إني أعوذ بك أن أبدل نعمتك كفرًا، أو أكفرها بعد معرفتها، أو أنساها فلا أثني بها)
ولكل عضو و جارحة شكر بأن تستخدمها فيما خُلق لأجله، ومن الشكر التحدث بنعمة الله ((وأما بنعمة ربك فحدث)).
ومنه الحديث (من أبلى بلاء فذكره فقد شكره، وإن كتمه فقد كفره).
وقال النبي (التحدث بنعمة الله شكر و تركها كفر، ومن لا يشكر القليل لا يشكر الكثير).
ولعطاء الله ميزات عن عظاء البشر، فعظاء الله لا لمصلحه له بل لنا، وعظاء الله لا يحتاج إليه ولا يُفقره ولا يعوزه وليس كالبشر.
ومن صور الشكر وأبوابه عدم استقلال العمل الصغير: (لا تحقرن من المعروف شيئاً ولو أن تلقى اخاك بوجه طليق) وفي رواية (ولو ان تفرغ من دلوك في إناء المستقي).
وهذه الأمور التي قد لا نفعل بها كثيراً قد تدفع عنا مصائب كبيرة.
وعلمنا النبي ذلك حين ردّ حال ابن ربيعة المخزومي بعد حنين فقال له: (بارَكَ اللهُ لك في أهلِك ومالِك، إنما جزاءُ السَّلَفَ، الحمدُ والأداءُ)
وكم تنادي الادارة الحديثة اليوم ولو بدقيقة شكر واستعراض وإبراز للإنجازات والإشادة بها كل ييوم.
بل حتى مع البهائم أُمرنا أن نشكر لها كما في الحديث “بِئْسَمَا جَزَيْتِهَا أَوْ بِئْسَمَا جَزَتْهَا إِنَّ اللَّهُ نَجَّاهَا لَتَنْحَرَنَّهَا”
و كما في الحديث: (صنائع المعروف تقي مصارع السوء).
ومن صور الشكر المطلوب الاتصاف بهذه الصفة و شكر الناس لذلك كان للكلمة الطيبة أجر الصدقة.
وشكر أصحاب المعروف على معروفهم يُشرك بلأجر كما قال المهاجرون للنبي عن ذهاب الأنصار بلأجر فقال (لا ما دعوتم الله لهم و اثنيتم عليهم)
ومن صور القيام بحق الشكر: الشكر على قليل النعم لتكون بوابة للمزيد قال تعالى ((ولئن شكرتم لأزيدنكم)).
وعدم الإنصاف بلجحود كما وصف الله الإنسان في معرض الذم ((إن الإنسان لربه لكنود))
ومن صور الشكر الإنفاق من النعمة.
ومن صورها كثرة الشكر بللسان ودوام الحمد في السراء والضراء كما في الحديث (كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا أَتَاهُ الأمْرُ يَسُرُّهُ، قَال (الحَمْدُ للـهِ الَّذِي بِنِعْمَتهِ تَتِمُّ الصَّالِـحَاتُ (وإذَا أتَاهُ الأمْرُ يَكْرَهُهُ، قَالَ: الـحَمْدُ للـهِ عَلَى كُلِّ حَالٍ)
ورحم الله من قال: “اذا كان الحمد خاتمة النعمة كانت فاتحة المزيد”.
وحين قال الله: (ومن يشكر فإنما يشكر لنفسه ومن كفر فإن الله غني حميد).
جعل الشكر بصيغة المضارع بدلالة على الحال والاستقبال فكان الشكر متجدداً ودائماً.
وجعل الكفر بصيغة الماضي اذا لا يرضى الله لعباده تجدد الكفر والجحود.
واجمل دعاء تعلّمناه.
((رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَىٰ وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ))
((اللهم أعني على ذكرك و شكرك و حسن عبادتك))