• تسجيل الدخول
سبيلي
  • الرئيسيّة
  • علوم شرعيّة
      • علوم القرآن الكريم
      • علوم السّيرة والسّنّة المطهّرة
      • علوم الفقه الإسلاميّ
      • تراجم الرّجال
      • علوم السّلوك
      • علوم إضافيّة
  • علم نفس
  • وسائل
      • مكتبة البيت السعيد
      • مكتبة الطفل المسلم
      • دروس جاهزة
      • دروس صوتية
      • أدعية
      • آيات
      • أناشيد
      • أناشيد – كلمات
      • مسرحيات
      • مسابقات
  • مقالات
  • Click to open the search input field Click to open the search input field ابحث
  • Menu Menu

مقدّمة في علوم القرآن الكريم

الفهرس

الباب الأوّل: القرآن والوحي

  • الفصل الأوّل: أسماء القرآن واشتقاقاتها.
  • الفصل الثّاني: ظاهرة الوحي والمعنى المراد والرّدّ على بعض الشّبهات حولها.

الباب الثّاني: تاريخ القرآن

  • الفصل الأوّل: جمع القرآن وكتابته.
  • الفصل الثّاني: المصاحف العثمانيّة والتّجويد والتّحسين.
  • الفصل الثّالث: الأحرف السّبعة.

الباب الثّالث: علوم قرآنيّة

  • الفصل الأوّل: لمحة تاريخيّة عن علوم القرآن.
  • الفصل الثّاني: علم أسباب النّزول.
  • الفصل الثّالث: علم المكّي والمدنيّ.
  • الفصل الرّابع: علم المُحكم والمتشابه.
  • الفصل الخامس: علم النّاسخ والمنسوخ.
  • الفصل السّادس: لمحة عن فواتح السّور.
  • الفصل السّابع: علم الرّسم القرآني.
  • الفصل الثّامن: علم التفسير.
  • الفصل التّاسع: علم القراءات وتاريخ القرّاء.

الخاتمة

  • قصة حمزة الزيات لمعرفة فضل أهل القرآن ورجال علوم القرآن الكريم.

للتحميل

الباب الأوّل: القرآن والوحي

الفصل الأوّل: أسماء القرآن واشتقاقاتها.

القرآن: قيل اسم علم مثل التّوراة والإنجيل، وقيل مشتقّ من القرائن جمع قرنيّة لأنّ آياته يشبه بعضها بعضاً، وقيل من قرن الشّيء بالشّيء إذا ضمّه إليه لأنّ السُّوَر تقرن وتضم، وقيل مشتقّ من القرء بمعنى الجمع كقرء الماء في الحوض لأنّه جمع ثمرات الكتب السّابقة، وقيل مشتقّ من قرأ بمعنى تلا، ((إنّ علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه))، وهي مستخدمة في اللّغة الآراميّة الّتي أثّرت وتأثّرت باللّغة العربيّة كثيراً.

الكتاب: إشارةً لجمعه في السّطور، والكتابة جمع للحروف ورسم للألفاظ.

الفرقان: وأصلها من التّفرقة، إذ فيه تفريق بين الحقّ والباطل ((تبارك الّذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً)).

الذّكر: ومعناه الشّرف ((لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم))، ووردت بقوله تعالى: ((وهذا ذكرٌ مباركٌ أنزلناه)).

التّنزيل: ورد في قوله: ((وإنّه لتنزيلُ ربِّ العالمين))، لأنّه وحي يوحي ويتنزّل على قلب النّبيّ.

وقد ذكر العلماء ما يزيد عن (55) اسم وصفة للقرآن الكريم كالمجيد والعزيز، وقيل نيّف وتسعين.

وتعريفه بالمجمل: كلام الله المعجز، المنزّل على النّبي صلّى الله عليه وسلّم، المكتوب في المصاحف، المنقول عنه بالتّواتر، المُتَعَبَّد بتلاوته.

العودة للفهرس

الفصل الثّاني: ظاهرة الوحي والمعنى المراد والرّدّ على بعض الشّبهات حولها

لم تكن ظاهرة الوحي محصورة في النبي صلى الله عليه وسلم، بل عرفها الأقوام السابقين مع أنبيائهم.

فلم يكن محمد بِدعاً من المرسلين، ولا كان أول نبيّ خاطب الناس باسم الوخي وحدّثهم بحديث السماء، فمن لدن نوح عليه السلام تتابع أفراد مصطفون أخيار ينطقون عن الله ((إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ ۚ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ ۚ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا)).

وقد وضّح النبي ذلك لقومه في غير موضع من القرآن ((وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ)).
((قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ)).
((وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِم بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا ۚ قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ مِن رَّبِّ)).
((أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ رَجُلٍ مِّنْهُمْ أَنْ أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ)).

قصة بدء الوحي:

اعترف أهل التاريخ، وذكر أهل السِيَر عن سيرة نبي الله محمد بن عبد الله حكمة أن تكون أول أربعين سنة من حياته الشريفة لم يُعرف عنه فيها إلّا الصلاح ورجاحة الرأي بشهادة الجميع، الأعداء قبل الأصدقاء.

وعلى رأس جبل في ظلمة الليل، هناك نزل عليه الوحي، فنزل يركض وقال لزوجته: (لقد خِفت على نفسي، فقالت له: كلا والله لا يخزيك الله أبدا)، فأخذته عند ورقة بن نوفل، وكان من الموّحدين، فسمع منه، ثم قال: قدوس قدوس هذا الناموس الذي نزل على موسى، ليتني كنت شاباً حين يخرجك قومك.. وإن يُدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.

ثم كان فتور الوحي لحكمة يعلمها الله، ثم تتابع نزول القرآن، فوضع في بيت العزة من السماء الدنيا.
ثم كان تنجيم القرآن، تدرج تربية المسلمين – تثبيت القرآن عند الصحابة ليسهل حفظه تطبيقه.
مراعاة الحوادث – تثبيت فؤاد النبي وأفئدة المؤمنين.
أول ما نزل ((اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ))، آخر ما نزل ((وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)).

ولذلك حرص القرآن على التّصريح أنّه وحي ((إن هو إلّا وحيٌ يوحى))، ((إن أتّبع إلّا ما يوحى إليّ)).

والمعنى اللّغوي لكلمة وحي وإيحاء:

  • الإلهام الفطري للإنسان ((وأوحينا إلى أمِّ موسى أن أرضعيه))، ((وإذ أوحيت إلى الحواريّين أن آمنوا بي)).
  • الإلهام الغريزي للحيوان ((وأوحى ربّك إلى النّحل أن اتّخذي)).
  • الرّمز والإيماء ((فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا)).
  • الإيماء بالجوارح.

نظرت إليها نظرةً فتحيّرت        دقائق فكري في بديع صفاتها
فأوحى إليها الطّرف أنّي أحبّها   فأثّر ذاك الوحي في وجناتها

  • وساوس الشّيطان وتزيينه ((وإنّ الشّياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم)).
  • ويقابله إلهام الملائكة ((إذ يوحي ربّك إلى الملائكة أنّي معكم)).

والمعنى الّذي نحن بصدده هو تكليف الله تعالى الملك بتبليغ النّبي الآيات، وكان يأتي الوحي للنبيّ الكريم بثلاث صور:

  • إلقاء المعنى في قلب النّبي أو نفثه في روحه.
  • تكليم النّبي من وراء حجاب.
  • لقاء ملك الوحي بصورته الملكيّة أو صورة رجل.

وليس من ذلك أدنى علاقة بالإلهام أو الحدس الباطنيّ أو الشعور الدّاخليّ أو اللاشعور، بل ثبت عن النّبي أنّه كان يأتيه أحياناً كما قال: “مثل صلصلة الجرس وهو أشَدَّهُ عليَّ فيُفصَمَ عنّي وقد وعيت ما قال وأحياناً يتمثّل لي الملك رجلاً فيكلّمني فأعي ما يقول”.
والأولى كانت أثقل على النّبي كما قال الله تعالى: ((إنّا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً)).

وكان كما تقول السّيّدة عائشة: “ولقد رأيته ينزل عليه الوحي في اليوم الشّديد البرد، فيفصم عنه وإنّ جبينه ليتفصّد عرقاً”، وبلغت أن “راحلته تبرك به إلى الأرض إذا كان راكبها”، ومرّة “كانت فخذه على فخذ زيد بن ثابت فثقلت عليه حتّى كادت ترضّها”.

ومما يؤكّد على حقيقة الوحي:

أنّ النّبيّ كان يستشعر ضعفه وافتقاره إلى الله تعالى كدعائه: (اللّهم يا مصرّف القلوب صرّف قلبي على طاعتك)، وأنّ العديد من آيات القرآن كانت تتصدّر بقوله تعالى: ((قل)) فهو مبلّغ للوحي.

والآيات الّتي عاتبت النّبي الأكرم صلّى الله عليه وسلّم: ((عفا الله عنك لم أذنت لهم))، ((ما كان لنبيّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض))، ((لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم))، ((عبس وتولّى أن جاءه الأعمى))، ومن أشدّها: ((ولولا أن ثبتّناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً إذن لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثمّ لا تجد لك علينا نصيراً))، ((ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثمّ لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحدٍ عنه حاجزين)).

وأنّ النّبي نهى عن كتابة وتدوين غير القرآن حتّى لا يختلط به شيء.

وميّز بين شخصيّته النّبويّة المعتمدة على الوحي واجتهاداته الدّنيويّة الشّخصيّة المعتمدة على خبراته الدّنيويّة كقصّة تأبير النّحل (أنتم أعلم بأمور دنياكم) وحادثة (بني أُبيرق) الّذين تنزّل قوله تعالى فيهم: ((ولا تكن للخائنين خصيماً))، وتأخّر الوحي كحادثة الإفك وقبلها حين أبطأ الوحي بأوّل العهد.

ولقد حاول العرب قديماً والمستشرقون حديثاً تفسير ظاهرة الوحي وفق رغباتهم تعامياً عن الحقّ فاعتبروه أضغاث أحلام أو افتراء أو شعراً وقد صوّر القرآن هذا التّضارب أدقّ التّصوير: ((بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر)).

غير أنّنا عرفنا من خلال السّيرة المطهّرة الفرق بين رؤى النّائم الّتي كان يراها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، كما تُحَدِّثُنا السّيّدة عائشة رضي الله عنها: (أوّل ما بُدِئ به رسول الله صلى الله عليه وسلّم من الوحي الرؤيا الصّالحة في النّوم فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت قبل فلق الصّبح، ثمّ حُبِّبَ إليه الخلاء وكان يخلو في غار حراء).

والفرق واضح بين الهدوء النّفسي الّذي يرافق الرّؤيا وبين الجهد والرّعب الّذي كان يرافق الوحي أحياناً كما في أوّل نزول له حين كان في الغار، فيرتجف فؤاد النّبي حقّاً ويعود لبيته مسرعاً يقول: (زمّلوني زمّلوني)، حيث اعتراه الرّعب لنزول الوحي عليه فجأة لا بانتظارٍ وترقّب، كما قال الله تعالى: ((وما كنت ترجوا أن يُلقى إليك الكتاب إلّا رحمةً من ربّك))، ((وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدي به من نشاء من عبادنا)).

هذا وإنّ رجفة فؤاد النّبي وعدم مرافقتها لبرود الأطراف واصطكاك الأسنان بل على العكس ترتفع حرارته ويتفصّد جبينه عرقاً ويثقل جسمه أكبر دليل أنّها ليست حالات ذهنيّة ولا نوبات عصبيّة أو أعراض مرضيّة تصيبه، ونعتوه بالجنون كقولهم: ((معلَّمٌ مجنون))، ((إنّ رسولكم الّذي أُرسل إليكم لمجنون))، وردّ الله تعالى عليهم: ((ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربّك بمجنون))، وسيرة النّبي أكبر دليل، وتارةً يصفونها بافتراءات المختلق أو تخرّصات الكذوب، والرّدّ عليها جاء من العرب أنفسهم، فلم يعرفوا عنه كذباً قطّ فيما سبق ولو افترضناه فكيف يعرف عن المستقبل والغيب فمن أين له كلّ هذه المعارف، وكان الرّدّ القرآني: ((أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون))، ((قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عُمُراً من قبله أفلا تعقلون))، ((تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا))، غير ما أخبر به عن أحداث ستحدث وحدثت:

  • كانتصار الرّوم: ((وهم من بعد غَلَبِهِم سيغلبون في بضع سنين)).
  • وهزيمة المشركين يوم بدر: ((سيهزم الجمع ويولّون الدّبر)).
  • وعمرة القضاء: ((لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين)).
  • وأعجب العجب آية العصمة من القتل: ((يا أيّها الرّسول بلّغ ما أُنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من النّاس))، فصرف النّبي حرّاسه وقال: (انصرفوا فقد عصمني الله)، كما في بدر وأُحد وحُنَين وكما في قصّة الرّجل الّذي استلّ سيفه يوم ذات الرّقاع.

ومنهم من افترض أي يكون بشراً علّمه، فافترضوا غلاماً نصرانيّاً كان بمكّة يصنع السّيوف، فقال: ((لسانُ الّذين يُلحدون إليه أعجميّ وهذا لسانٌ عربيٌّ مبين))، ثمّ افترضوها من مجهول، فقالوا: ((أساطير الأوّلين اكتتبها فهي تُملى عليه بكرةً وأصيلاً))، ثمّ ردّوها إلى بُحيرى الراّهب الّذي التقاه النّبي وعمره تسع سنين أو ورقة بن نوفل الّذي لقيه مرّة ثمّ ما لبث أن توفّي، ولم يكن النّبي يلق الرجلين في خفاء بل معه أُناس، ثمّ افترضوا أن يكون قد التقى برجال يهود أو نصارى ليردّ القرآن على هذه المزاعم: ((وما كان هذا القرآن أن يُفترى من دون الله ولكن تصديق الّذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من ربّ العالمين))، ثمّ افترضوه شاعراً فقالوا: ((شاعرٌ نتربّص به ريب المنون))، غير أنّهم فنّدوا ذلك بأنفسهم، فقد عرفوا الشّعر وما هذا بشعر، بل قالوا: (إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة وإنّ أعلاه لمفرق وإنّ أسفله لمثمر وما هو بقول بشر)، كما تحدّاهم القرآن أن يأتوا بمثله: ((أم يقولون افتراه بل لا يؤمنون فليأتوا بحديثٍ مثله إن كانوا صادقين))، ثمّ تحدّاهم بعشر سُوَر: ((قل فأتوا بعشر سُوَرٍ مثله مفتريات))، ثمّ تحدّاهم بسورة: ((فأتوا بسورة من مثله))، ثمّ أعلنها لهم صراحة: ((قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعضٍ ظهيراً)).

العودة للفهرس

الباب الثّاني: تاريخ القرآن

الفصل الأوّل: جمع القرآن وكتابته

لجمع القرآن معانٍ متعددة، منها:

  • الحفظ ((إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ))، وجُمّاع القرآن حفّاظه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو سيّد الحفّاظ وأول الحفّاظ.
    وكان هناك عدد من الصحابة الكرام، تشّرف بحفظ القرآن واشتهر به، ونذكر أنه في بئر معونة قُتل سبعون من قرّاء الصحابة -أي حُفّاظه-، واشتهر من كبار الصحابة عدد مثله من المهاجرين والأنصار وأمهات المؤمنين، مثل الخلفاء الأربعة، وطلحة، وسعداً، وابن مسعود، وحذيفة، وأبا هريرة، والعبادلة الأربعة (ابن عباس، ابن عمر، ابن عمرو بن العاص، ابن الزبير)، والسيدة عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وزيد بن ثابت، وأُبيّ بن كعب، وغيرهم من الصحابة الكرام.
  • جمع القرآن بمعنى كتابته، فقد مرّ بثلاث مراحل:

الأولى: في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان كتبة الوحي الكرام يكتبون بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ينزل من القرآن.

وكما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: (كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع)، والرقاع هو جمع رقعة، وهو ما تيسّر للكتابة من جلد أو ورق أو عُسُب (جريد النخيل) والعظم والأقتاب (الخشب).
والتأليف أي ترتيب السور والآيات وفق ترتيب النبي، فالآيات في كل سورة، والبسملة في أولها ترتيب توقيفي لا خلاف فيه، كما ورد أن رسول الله شخص ببصره ثم صوّبه، ثم قال: (أتاني جبريل فأمرني أن أضع هذه الآية هذا الموضع من هذه السورة، وهي إن الله يأمر بالعدل والإحسان).
وكذلك ترتيب السور توقيفي.

ثانياً: جمع القرآن في عهد الصدّيق رضي الله عنه:

وكان ذلك بعد موقعة اليمامة سنة 12هـ، حيث استشهد سبعون من قراء الصحابة، فهال ذلك عمر بن الخطاب، واقترح على أبي بكر جمع القرآن، فقال لعمر: كيف نفعل ما لم يفعله رسول الله؟ قال عمر: هو والله خير، يقول: فلم يزل عمر يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، فكتب إلى زيد بن ثابت، وقال له: إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك، وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه، يقول زيد: فوالله لو كلفوني بنقل جبل من الجبال ما كان أثقل عليّ مما أمرني به من جمع القرآن، فقال له: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، يقول: فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح صدر أبي بكر وعمر ثم تتبعت القرآن أجمعه.

وكان لا يقبل آية إلّا بوجود شاهدين من الحفظ والكتابة لقول أبي بكر لعمر وزيد (اقعد على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه).

وتمّ هذه الجمع خلال سنة تقريباً، فكان أبو بكر أول من جمع كتاب الله بين اللوحين، وعمر صاحب الفكرة، وزيد من نفذّها رضي الله عنهم أجمعين.

وقد بحث أبو بكر عن اسم له فقيل له: “السِفْر”، فقال: هذه تسمية يهود، فقال بعضهم: “المصحف” كما يسميّه أهل الحبشة، فاجتمع رأيهم على ذلك.
وبقي ذلك المصحف عند أبي بكر ثم عند عمر ثم عند حفصة بنت عمر.
وقد أُثير لِم لمْ يعهد عمر بالمصحف إلى عثمان وإنما بقي عند حفصة؟
والجواب ببساطة أن عمر اقترح ستة أسماء ولم يعرف من سيختار المسلمون من بعده فكيف يعهد به إلى عثمان.

ثالثاً: في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه:

وبعد فتح أرمينية وأذربيجان ودخول أهلها في الإسلام، فزع سيدنا حذيفة بن اليمان من اختلاف الناس في القراءة، فقدم عثمان، وقال له: أدرك هذه الأمة قبل أن تختلف في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.

فأرسل عثمان إلى حفصة لترسل المصحف الذي عندها وأمر زيد بن ثابت ولثلاثة من قريش لينسخوا المصحف، وقال لهم: إذا اختلفتم في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما أُنزل بلسانهم.

ثم لما تم النسخ أرسل النسخ الستة إلى الأمصار وأعاد نسخة حفصة إليها، وأمر بإحراق كل ما سواها من المكتوبات.
حيث كان للصحابة الكرام نسخهم الخاصة التي كتبوا فيها جانب الآيات شيئاً من الشروح والتفسير فأمر سيدنا عثمان بإحراقها كلها حرصاً على أن لا تختلف الأمة.
وكانت تلك النسخ السبعة تتكون من 114 سورة خالية من النقط والشكل، ومن أسماء السور والفواصل، وعُرفت بالمصاحف العثمانية، وقد أرسل مع كل نسخة مُقرئ حافظ ليُقرأ الناس.

وقد وصف ابن كثير رحمه الله وهو من علماء القرن الثامن الهجري أنه رأى مصحف الشام الموجود في جامع دمشق عند الركن شرقي المقصورة المعمورة بذكر الله، وقد رأيته كتاباً عزيزاً جليلاً عظيماً بخط حسن مبين قوي في رق أظنه من جلود الإبل، وبقي حتى عام 1310هـ واحترق عند احتراق الجامع.

العودة للفهرس

الفصل الثّاني: المصاحف العثمانيّة والتّجويد والتّحسين

كانت المصاحف العثمانية كما ذكرنا خالية من الشكل والنقط، وكانوا يميّزون ألفاظها بالسليقة، ثم بدأت العجمية تمس سلامة لغتهم.

ففي خلافة عبد الملك بن مروان سنة 65هـ بدأ التفكير بوضع بعض الإشارات لتمييز بعض الألفاظ كإضافة ألف لكتابة قالت، كانت، وكانت تُكتب دون ألف قلت، كنت.

وتوالى تحسين الرسم القرآني بشكل تدريجي وبجهود ولاة أمثال عُبيد بن أبي زياد، والحجاج بن يوسف الثقفي على يد علماء أفاضل، أمثال: أبو الأسود الدؤلي والخليل الفراهيدي وغيره.

وكان زياد قد كلب من أبي الأسود الدؤلي نقط القرآن فلم يلبه، حتى سمع يوماً رجلاً يقرأ (أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ۙ وَرَسُولُهُ) وجر اللام ولم يرفعها، ففزع أبو الأسود وأجاب زياد لطلبه.
فوضع نقطة فوق الحرف علامة للفتح، ونقطة أسفله للكسر، ونقطة بين أجزاء الحرف دلالة الضم، ونقطتين دلالة السكون.
وقيل غيره مثل يحيى بن معمر ونصر بن عاصم الليثي.
ثم كان للحجاج دور في نقط حروف المصحف.
ثم وضع الخليل الهمزة والتشديد والروم والاشمام.

وتأخر تلك الإسهامات كانت بسبب تأثير كراهة إحداث تغييرات ومخالفة آراء الصحابة كقول ابن مسعود (جردوا القرآن ولا تخلطوه بشيء)، بل كره التابعون تطييب المصاحف ووضع الورد فيها.

وفرّق الإمام مالك بين مصحف العلماء الذي أجاز نقطه مثلاً وكرهه في مصاحف غيرهم.
ثم كرهوا التعشير (أي وضع علامة بعد كل عشر آيات).
حتى يأتي النووي المتوفي سنة 676هـ فيقول: “إن نقط المصحف مستحب لأنه صيانة له من اللحن والتحريف”.

وكانوا كرهوا تسمية السور ثم أباحوها، فأسمائها ليست توقيفية، ثم عرفوا التحزيب والأجزاء.

أما الخط فاختار الوليد بن عبد الملك خالد بن أبي الهيّاج المشهور بجمال خطه أن يكتب المصحف في عهده وهو الذي خطّ الآيات في محراب المسجد النبوي، وكانوا يكتبون بالخط الكوفي حتى أواخر القرن الرابع الهجري.
ثم حلّ محله خط النسخ الذي لا يزال معمولاً به حتى يومنا هذا.

ثم كان عهد الطباعة

أول نسخة مطبوعة للقرآن الكريم كانت بمدينة البندقية سنة 1530م، ثم هامبورغ، ثم بادو.

أول طبعة إسلامية كانت بروسيا سنة 1787م، ثم بإيران، ثم أوروبا، ثم الهند، ثم الآستانة سنة 1877م.

وأول طبعة في القاهرة كانت سنة 1923م من قبل الأزهر بإشراف الملك فؤاد الأول.

العودة للفهرس

الفصل الثّالث: الأحرف السّبعة

روى عمر بن الخطاب أنه سمع هشام بن حكيم يقرأ سورة الفرقان في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستمع لقراءته، فإذا هو يقرؤها على حروف كثيرة لم يقرئه إياها رسول الله، فانتظره حتى سلّم، فأمسك بردائه، وقال له: من اقرأك هذه السورة؟ قال: أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: كذبت فوالله إن رسول الله أقرأني هذه السورة التي سمعتك تقرأوها، فانطلق يقوده إلى رسول الله، وقال له: يا رسول الله إني سمعت هذا يقرأ بسورة الفرقان على حروف لم تُقرئنيها، وأنت أقرأتني سورة الفرقان، فقال له: أرسله يا عمر، اقرأ يا هشام، فقرأ، فقال رسول الله: هكذا أُنزلت، ثم قال: (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فأقرأوا ما تيسّر منه).
وهذا الحديث عند أهل الحديث متواتر.

فالمصاحف العثمانية اشتملت على ما يحتمله رسمها من الأحرف السبعة، مثل:

  • الاختلاف في الإعراب، سواء تغيّر المعنى أم لم يتغيّر، مثل: ((فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ)) وانزلت ((آدَمَ))، و((يُضَارَّ)) و((يُضَارُّ)).
  • اختلاف في الحروف يتغير المعنى دون الصورة، مثل: ((الصراط)) و((السراط))، و(المصيطرون)) و((المسيطرون)).
  • اختلاف الأسماء في أفرادها وتثنيتها وجمعها، وتذكيرها وتأنيثها، مثل: ((وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ)) وقُرئ ((لأمانتهم))، و((تشابه)) و((تتشابه)).
  • إبدال كلمة مكان كلمة ((كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ)) و((كالصوف الْمَنفُوشِ))، و((وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ)) و((وطَلْعٍ مَّنضُودٍ)).
  • الاختلاف بالتقديم والتأخير، مثل: ((فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ)).
  • اختلاف بشيء يسير من الزيادة أو النقصان كعادة العرب في الحذف، مثل: ((وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ)) ((تَجْرِي مِن تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ)).
  • اختلاف اللهجات في الفتح والإمالة والهمز والتسهيل، كإمالة ((موسى) ((بلى))، أو إشباع الميم ((عليهمو دائرة السوء)).

حيث أن لهجات العرب أكثر من 20 لهجة، مثل:

  • العجعجة: بإبدال الياء جيماً، فيقولون: تميمج بدل تميميّ.
  • العنعنة: بإبدال العين من الهمزة، فيقولون: عنّك بدل أنّك، وعسلم الرجل بدل أسلم.
  • الكشكشة: بإبدال الشين من الكاف الخطاب أو إلحاقها شيناً، فيقولون: كَعلَيْشِ بدل عليكِ، وإليكِش بدل إليكِ، وكما قال مجنون ليلى:

فعيْناشِ عيْناها وَجِيدُشِ جيدُهَا      ولكنَّ عَظْمَ السَّاقِ مِنْشِ رَقيقُ

  • القطع: بإخفاء الحرف الأخير، فيقولون: يا أبا الحكا بدل أبا الحكم، ويا ولَ بدل يا ولد.
  • الاستنطاء: بجعل العين الساكنة نوناً إذا جاوزت الطاء، فيقولون: أنطِ بدل أعط.
  • الوهم: بقولهم بدل منهُم وعنهُم: مِنهِم، وعنْهِم، بكسر الهاء ولو لم يكن قبلها ياء.
  • الطمطمة: بإبدال اللام ميماً.

وقد روت لنا كُتب السير أن قوماً أتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا له: أمن أمبر أمصيام في أمسفر؟ فقال لهم: (ميس أمبر أمصيام في أمسفر).
فكانوا يبدلون اللام ميماً، فسألوه: أمن البر الصيام في السفر؟ فقال لهم: (ليس من البرّ الصيام في السفر).
صلى الله عليه وسلم ما أجمل فصاحته وأعذب لسانه.

العودة للفهرس

الباب الثّالث: علوم قرآنية

الفصل الأوّل: لمحة تاريخية عن علوم القرآن

كان الرّسول صلّى الله عليه وسلّم المرجع الأوّل لتفسير القرآن الكريم للصحابة الكرام، فإذا أشكل عليهم أمراً، رجعوا إليه وأخذوا منه الجواب الشّافي كاستفسارهم عن معنى ((وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ))، فقالوا: وأيّنا لم يظلم نفسه!، ففسّر رسول الله صلى الله عليه وسلّم الظلم فقال: هو (الشّرك).

كما أنّهم لم يكتبوا في عهد النّبي لقوله: (لا تكتبوا عنّي ومن كتب عنّي غير القرآن فليمحه)، فظلّت هذه العلوم تنتقل بالتلقين والمشافهة في عهد النّبي وأبي بكر وعمر.

ثمّ كما فعل عهد سيّدنا عثمان بتطوير وتحسين وخدمة القرآن الكريم، امتدّ ذلك لعلوم القرآن وتفسيره، ونستعرض أبرز الرّجال الّذين حملوا لواء هذا العلم وبعض مؤلّفاتهم في هذا المجال جزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.

ففي عهد الصّحابة الكرام، عُرف ونُقل التفسير عن:

  • أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ رضي الله عنهم.
  • ابن عبّاس وابن مسعود وابن الزّبير رضي الله عنهم.
  • أبيّ بن كعب وزيد بن ثابت وأبو موسى الأشعريّ رضي الله عنهم.

وفي عهد التّابعين:

  • مجاهد وعطاء بن يسار.
  • عكرمة وقتادة وزيد بن أسلم.
  • الحسن البصريّ وسعيد بن جبير.

فحين يذكر اسم واحد من هؤلاء الأعلام فهم المرجع الأوثق لفهم كتاب الله عز وجل.

ومن أتباعهم مالك بن أنس الّذي أخذ عن زيد بن أسلم، وهؤلاء واضعوا علم التّفسير وعلم أسباب النّزول وعلم المكّي والمدنيّ والنّاسخ والمنسوخ.

من علماء القرن الثّاني:

  • شعبة بن الحجّاج، محدّث البصرة وأمير المؤمنين في الحديث.
  • سفيان بن عُيينة [شيخ أهل الحجاز].
  • وكيع بن الجرّاح [شيخ الشافعي (شكوت إلى وكيع سوء حفظي…)].

وتفاسيرهم جامعة لأقوال الصّحابة والتّابعين جمعها ابن جرير الطّبري صاحب التّفسير الأجلّ المشهور.

في القرن الثّالث:

  • علي بن المديني، شيخ البخاري، ألّف في أسباب النّزول (234) هـ.
  • أبو عبيد القاسم بن سلام، ألّف في النّاسخ والمنسوخ والقراءات وعلوم القرآن.
  • محمّد بن أيّوب (214) هـ.
  • محمّد بن خلف، صاحب الحاوي في علوم القرآن.

في القرن الرّابع:

  • أبو بكر محمّد بن القاسم الأنباري (328) هـ، صاحب عجائب علوم القرآن.
  • أبو الحسن الأشعريّ، صاحب المختزن في علوم القرآن.
  • أبو بكر السجستاني، صاحب غريب القرآن.
  • محمّد بن علي الأدفوي (388) هـ، وله الاستغناء في علوم القرآن في عشرين مجلّة.

في القرن الخامس:

  • علي بن إبراهيم الحوفيّ، صاحب إعراب القرآن.
  • أبو عمر الدّاني (444) هـ، صاحب التّيسير في قراءات القرآن.
  • في القرن السّادس:
  • أبو القاسم السّهيلي، صاحب مبهمات القرآن.

في القرن السّابع:

ظهر مصطلح (علوم القرآن) بمفهومه الاصطلاحي المعاصر، وظهرت كتب مثل:

  • فنون الأفنان في عجائب علوم القرآن / الجوزي.
  • المجتبى في علوم تتعلّق بالقرآن / الجوزي.
  • جمال القرّاء وكمال الاقتداء / السّخاوي.
  • البرهان في علوم القرآن / الزّركشي.
  • مواقع العلوم من مواقع النّجوم / البُلقيني.
  • التّبحير في علوم التفسير والإتقان في علوم القرآن / السّيوطي.

وفي الزّمن المعاصر:

  • مناهل العرفان في علوم القرآن / الزرقاني.
  • منهج الفرقان في علوم القرآن / محمّد علي سلامة.
  • إعجاز القرآن / مصطفى صادق الرّافعي.
  • التّصوير الفنّي وفي ظلال القرآن / سيّد قطب.
  • الظّاهرة القرآنيّة / مالك بن نبي.
  • تفسير القرآن الحكيم / محمّد رشيد رضا.
  • النّبأ العظيم / عبد الله درّاز.
  • المنهل الخالد / محمّد المبارك.

العودة للفهرس

الفصل الثّاني: علم أسباب النّزول

يرى أهل التّفسير أنّه لا يمكننا فهم كتاب الله دون معرفة أسباب النّزول، فهي قصّة السياق الّتي نزلت الآيات القرآنيّة فيها.

ولطالما كان الجهل بسبب نزول الآيات سبب لكثير من اللّغط والوهم الّذي قد يقع فيه قارئ القرآن والمحاول لفهمه.

فكم اجتمع عثمان بن مظعون وعمرو بن معد يكرب بإباحة تناول المسكرات بقوله تعالى: ((ليس على الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جُناحٌ فيما طَعِموا))، فقالوا الخمر مباحة وخفي عليهم أنّها نزلت فيمن مات قبل تحريم الخمر وكان قد شرب منها كما قال أهل التّفسير.

وكاستشهاد بمن بيح التّوجه في الصّلاة إلى أيّ ناحية بقوله تعالى: ((فأينما تُوَلُّوا وجوهَكُم فَثَمَّ وجهُ الله))، علماً أنّها نزلت في أصحاب النّبي الّذين صلّوا في ليلةٍ مظلمةٍ كلٌ في اتجاه فنزلت بحقّهم.

ولا يشترط تحديد سبب نزول لكلّ آية، فمنه ما نزل لغير سبب خاص، إنّما تعليماً أو تثبيتاً لفؤاد النّبيّ، وكان من أهل العلم من يتورّع عن ذلك، فقالوا: “ذهب الّذين يعلمون فيم أنزل القرآن”، واقتصروا على رواية الرّوايات الصّحيحة الثّابتة عن الصّحابة الكرام وترك ما سوى ذلك لما يُوقع ذلك من إشكاليّات وأخطاء، كما وقع الواحديّ في تفسيره لقوله تعالى: ((ومن أظلم ممّن منع مساجد الله أن يذكر فيها اسمه))، فذكر أنّها نزلت في بختنصّر البابليّ وأوصى به معتمداً على رأي قتادة فقط، وكونه ليس من المؤرّخين واكتفى برواية واحدة ممّا أوقعه بخطأ فادح ومثل هذه الأخطاء يقع من أراد في هذا الزّمان أن يفهم القرآن الكريم دون الرّجوع لأحداث نزوله وحيثيّاتها.

وليس الأمر بهذه البساطة فحسب، فقد نجد روايتان كلتاهما صحيحة ولا تستطيع ترجيح واحدة على أُخرى في سبب نزولها، كما جاء في البخاريّ أنّ عويمراً أتى عاصم بن عدي وكان سيّد بني عجلان، فسأله: كيف تقولون في رجلٍ وجد مع امرأته رجلاً… أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع؟ سل لي رسول الله، فأتى عاصم النّبي يسأله، فكره رسول الله المسائل وعابها، فجاء عويمر النّبي وسأله بنفسه فعلّمه آية الملاعنة.

وفي رواية ثانية عند البخاري أنّ هلال بن أبيه قذف امرأته عند النّبي، فقال رسول الله: (البيّنة أو حدّ في ظهرك)، فقال يا رسول الله: إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البيّنة، فنزل جبريل بقوله تعالى: ((والّذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلّا أنفسهم))، فكان تعدّد في السّبب والآية واحدة وكانت جواباً للحادثتين، فكان الجمع بين الرّوايتين سهلاً.

وقد يحصل أن يتعذّر الجمع بين الرّوايتين لتباعد الزّمن بينهما كمحاولة التّوفيق بين قول النّبي عقبَ أُحد: (لأمثّلنّ بسبعين منهم مكانك)، وقوله تعالى: ((وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به)) الّتي نزلت عقب فتح مكّة.

وقد يتعدّد النّزول كما في سورة الفاتحة الّتي نزلت في مكّة وفي المدينة، وهناك روايات ترد إحداها في البخاري والآخر عند غيره فتأخذ برواية البخاري المجمع على صحّته وتقدّمه على غيره.

وقد يتعدّد النّازل والسّبب واحد كسبب نزول قوله: ((يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر))، وبهذه العجالة نعرف هذا النّوع من علوم القرآن وجهود العلماء في خدمة كتاب الله ولا بدّ أن نتعرّف على علم آخر من علوم القرآن (المكّي والمدني ـ النّاسخ والمنسوخ ـ المحكم والمتشابه ـ فواتح السّور ـ الرّسم القرآني).

العودة للفهرس

الفصل الثّالث: علم المكّي والمدني

لقد تكفّل الله تعالى بحفظ كتابه الخاتم فقال: ((إنّا نحن نزّلنا الذّكر وإنّا له لحافظون))، ومن حفظه تأصيل علومه الّتي ستدرسه عبر الزّمن، لتساعد على حفظه مواجهة محاولات التّشكيك والتّحريف الّتي يمكن أن يتعرّض لها.

وقد تحدّثنا عن علم أسباب النّزول الأساس في علم التّفسير والمنطلق له ونقف اليوم مع علم المكّي والمدني الّذي يزيد قربنا من فهم مضمون الآيات ودراسة المحتوى القرآني.

وقد يزيد فهمنا لهذا الموضوع عند دراسة جهود المستشرقين في هذا الباب وسَيُهالنا التّفاصيل الدّقيقة الّتي وقفوا عندها، فأوّل ما وقفوا عنده عمر النّبي صلّى الله عليه وسلّم عند البعثة، فالله عزّ وجلّ يقول في كتابه الكريم: ((فقد لبثتُ فيكم عُمُراً من قبله))، فتنوّعت تفاسير المفسّرين لمعنى (عُمُراً) والمراد به على وجه التّحديد، فزعم المستشرقون أن لا قبل لباحث بتحديد عمر النّبي في بدء الوحي، وعلّل بعضهم تعذّر هذا التّحديد باضطراب الرّوايات وتناقضها ومنهم من اعتبر عمر (40) المعتمد عند أهل السّيرة أنّه ضَرب من صفة السّحريّة لرقم (40) عند العرب، ومغالطاتهم جاءت أنّ تعدّد الرّوايات لا يستلزم الاضطراب حتماً، وإنّما يقع التّناقض والتّضارب إذا تعادلت الرّوايات وتساوت وتعذّر التّرجيح بينها كما يذكر علماء الحديث، أمّا إذا رُجّحت رواية على أُخرى فما من فرصة للقول بالتّناقض، ولو نقل المؤرّخون عشرات الرّوايات في عمر النّبي، فسيظلّ الرّأي الأشهر هو الرّأي الأصحّ كما رجّحه المحقّقون من أهل التّفسير.

لطيفة:

سألت امرأة زوجها وكان من المشتغلين بعلم أصول الفقه، فقالت: لو خيّروك بيني وبين فلانة فمن تختار؟، فقال: “لا يُنظر إلى التّرجيح إلّا إذا تعذّر الجمع”.
قالوا: رحمه الله “كم أوجز وأجاد وأفاد وأفهم وأقنع وأمتع”.

فلاحظوا أنّ أكثر القرآن نزل نهاراً، ولم يخلُ الأمر من استثناءات كسورة مريم الّتي نزلت ليلاً كما روى الطّبرانيّ أنّ رجلاً أتى النّبي، فقال: ولدت لي الليلة جارية، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (واللية نزلت عليّ سورة مريم.. سمّها مريم)، وأوّل سورة الفتح الّتي نزلت ليلاً لحديث: (لقد نزلت عليّ الليلة سورة هي أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشّمس)، وغيرها ممّا ورد في الرّوايات الصّحيحة.

كما نعرف ما نزل في الرّكعة الأخيرة من صلاة الصّبح كقوله تعالى: ((ليس لك من الأمر شيء))، وكما في قوله تعالى: ((والله يعصمك من النّاس))، وآيات تبرئة الثّلاثة الّذين خلّفوا كما روت السّيّدة أمّ سلمة.

وقد وصف أهل التّفسير الأجواء المصاحبة من برد شديد كما في قوله تعالى: ((يا أيّها الّذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذا جاءتكم جنود فأرسلنا عليهم ريحاً وجنوداً لم تروها))، أو الحرّ الشّديد: ((لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّاً))، وما نزل في سفر وما نزل في حضر وما نزل عقب الغزوات وما نزل بين السّماء والأرض كآخر آيتين من سورة البقرة ليلة المعراج.

هذا الاستقصاء الّذي يؤكّد صدق الرّواية زيادة الثّقة بالنّفوس وهكذا تتبّع العلماء السّور القرآنيّة تبعاً لتطوّرات الدّعوة وأدقّ جزئيّاتها، وكم حاول المستشرقون التّدقيق والتّشكيك بالرّوايات والمنهج التّاريخي والتّرتيب القرآني، ولا نستغرب ما ظهر في أوروبا في منتصف القرن التّاسع عشر من دراسات قام بها وليم موير وويل وبلاشير ونولدكه، وتعتبر ترجمة بلاشير للقرآن من أوّل التّرجمات غير أنّها لم تسلم من هذه العقبة.

عندها نواجه هؤلاء المستشرقين ومغالطاتهم، بأنّ الله بعث نبيّه حقّاً على رأس الأربعين من غير استناد إلى تفسير العمر ومن غير تأثّر بعقائد السّابقين في رقم الأربعين، بل اعتماداً على الرّوايات الصّحيحة الّتي تكاد تبلغ حدّ التّواتر، فكان إثارة الشّبهات حول عمر النّبي في بدء الوحي محاولة أوّليّة للتشكيك في منطلق الدّعوة الإسلاميّة لتكون بوّابة للتشكيك بمعلومات المرحلة المكّيّة ثمّ المدنيّة، فكيف للباحث أن يتابع نوازل القرآن إذا كانت صورة بدء الوحي غامضة مشوّشة.

وعلم المكّي والمدني يزيد من معرفة هويّة كل آية من آيات القرآن، وقد جعله العلماء ترتيب زماني وتحديد مكاني وتبويب موضوعي وتعيين شخصي وعليه اجتهد بعضهم أنّ المكّيّ ما وقع خطاباً لأهل مكّة والمدنيّ ما وقع خطاباً لأهل المدينة وقالوا المكّي ما نزل قبل الهجرة وإن كان نزوله بغير مكّة والمدني ما نزل بعد الهجرة، ولعلّه التّعريف الأشمل حيث يراعي التّرتيب الزّماني والأشخاص والمكان على حدّ سواء، وهناك ما أدرجه العلماء في باب ما نزل بالمدينة وحكمه المكّيّ وما نزل بمكّة وحكمه المدنيّ.

ولا يخفى ما لهذه التّقسيمات من آفاق نفسيّة وأطوار اجتماعيّة وأثر البيئة، لذلك قال أبو القاسم النيسابوري: “من أشرف علوم القرآن علم نزوله وجهاته وترتيب ما نزل بمكّة ابتداءً ووسطاً وانتهاءً وترتيب ما نزل بالمدينة كذلك ثمّ ما نزل بمكّة وحكمه مدنيّ وما نزل بالمدينة وحكمه مكّي”.

وقد تكبّد العلماء في تتبّع مراحل الوحي وذكر أبسط التّفصيلات وأصغر الجزئيّات، وعليه اعتمد العلماء على الرّوايات الصّحيحة لتحديد المكّي والمدني، فيما وصل من الصّحابة الكرام وما تناقله عنهم التّابعون.

ثمّ أعملوا الفكر والاجتهاد لا سيّما في الموضوعات الّتي لا تكون فيها رواية بنصٍّ صريح ثمّ وصلوا في نهاية المطاف إلى تحديد خصائص للسور المكيّة تبعاً لهذا الضّابط، ومنها:

  • أنّ كل سورة فيها سجدة فهي مكّيّة.
  • أنّ كل سورة فيها لفظ كلّا فهي مكّيّة ولم ترد إلّا في النّصف الأخير من القرآن.
  • أنّ كل سورة فيها {يا أيّها النّاس} مكّيّة.
  • أنّ كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم السّابقة مكّيّة سوى البقرة.
  • أنّ كل سورة فيها قصّة آدم وإبليس فهي مكّيّة سوى البقرة.
  • أنّ كل سورة تفتتح بحروف التهجّي ك (ألم) و(المر) سوى الزّهراوين.

كما تمتاز بـ:

  • قصّ الآيات والسّور وحرارة تعبيرها.
  • موضوعات الإيمان بالله اليوم الآخر.
  • مجادلة المشركين وتسفيه أحلامهم.
  • كثرة القسم جرياً على أساليب العرب.

أمّا السّور المدنيّة:

  • ففيها الحديث عن الجهاد وأحكامه.
  • فيها تفاصيل الأحكام والحدود والفرائض.
  • فيها ذكر المنافقين عدا سورة العنكبوت.
  • مجادلة أهل الكتاب.
  • طول الآيات وإطنابها.
  • تفصيل البراهين والأدلّة.

وقد تتبّع العلماء جزاهم الله كلّ خير السّور والآيات في هذه الخصائص وأوضحوها.

العودة للفهرس

الفصل الرّابع: علم المحكم والمتشابه

تستطيع القول أنّ القرآن كلّه محكم إذا قصدنا بإحكامه إتقانه وجمال نظمه لقوله تعالى: ((كتاب أُحكمت آياته))، وتستطيع القول أنّ القرآن كلّه متشابه إذا أردنا به تشابه وتماثل آياته في البلاغة والإعجاز وصعوبة المفاضلة بين أجزائه لقوله تعالى: ((الله نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني))، غير أنّ المحكم والمتشابه المراد في بحثنا غير هذين المعنيين السّابقين، إنّما تفسير قوله تعالى: ((هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب وأُخر متشابهات فأمّا الّذين في قلوبهم زيغٌ فيتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلّا الله والرّاسخون في العلم يقولون آمنّا به كلٌّ من عند ربّنا وما يذّكّر إلا أولوا الألباب))، فالمحكم يقابل المتشابه كما الرّاسخون في العلم يقابلون الّذين في قلوبهم زيغٌ، فيرى أهل العلم أنّ المحكم هو الّذي يدلّ على معناه بوضوح لا خفاء فيه، والمتشابه هو الّذي يخلو من الدّلالة الرّاجحة على معناه، ومن أهل الكتاب من رأى أنّ المتشابه لا يعلم تأويله إلّا الله ويوجبون الوقوف في الآية على لفظ الجلالة، في حين أنّ الرّاسخين في العلم فقط يقولون: ((آمنّا به))، ومنهم كأبي الحسن الأشعريّ فيرى أنّ الوقوف في الآية إنّما على ((والرّاسخون في العلم)) فهم يعلمون تأويله، ويؤيّده بذلك أبو اسحق الشّيرازي بقوله: “أنّ الله أورد هذا مدحاً للعلماء فلو كانوا لا يعرفون معناه لشاركوا العامّة بذلك”، ومنهم كالرّاغب الأصفهاني الّذي قسّم المتشابه ثلاثة أضرب:

  • ضرب لا سبيل إلى الوقوف عليه كوقت السّاعة وخروج الدّابّة.
  • ضرب للإنسان أسباب معرفته كالألفاظ الغريبة.
  • ضرب يختصّ به الرّاسخون في العلم ويخفى على من دونهم وهو المراد بدعاء النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لابن عبّاس: (اللّهمّ فقّهه في الدّين وعلّمه التّأويل).

فذات الله سبحانه وتعالى وصفاته لا يعلمها إلا الله كما في الدّعاء المأثور (أنت كما أثنيت على نفسك)، والعلم المستأثر به عند الله ((سبحانك لا علم لنا إلّا ما علّمتنا إنّك أنت العليم الحكيم))، وهناك آيات انقسم فيها أهل العلم بين مذهب السّلف ومذهب الخلف كقوله تعالى:

  • ((الرّحمن على العرش استوى)).
  • ((جاء ربّك والملك صفّاً صفّاً)).
  • ((وهو القاهر فوق عباده)).
  • ((يا حسرتنا على ما فرّطنا في جنب الله)).
  • ((ويبقى وجه ربِّك)).
  • ((ولتصنع على عيني)).
  • ((يد الله فوق أيديهم)).
  • ((ويحذّركم الله نفسه)).

فالسّلف ينزّهون الله عن هذه الظّواهر المستحيلة عليه ويؤمنون بها بالغيب ويفوّضون علم حقائقها إلى الله كما قال الإمام مالك عن الاستواء: “الاستواء معلوم والكيف مجهول والسّؤال عنه بدعة وأظنّك رجل سوءٍ أخرِجوه عنّي”، أمّا الخلف يحملون الاستواء على العلوّ المعنوي ومجيء الله على مجيء أمره وفوقيّته على العلوّ لا من جهة وجنبه على حقّه وعينه على عنايته ويده على قدرته، وهذه الآيات المتشابه تحفّز المؤمنين على الاشتغال بالعلوم الّتي تساعدهم على فهم الآيات وتذوّق التّجلّيات فيقرؤون القرآن بخشوع وتدبّر… والله أعلم.

العودة للفهرس

الفصل الخّامس: علم النّاسخ والمنسوخ

مرّ معنا حكمة نزول القرآن الكريم منّجماً على قلب النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها مراعاة التدرّج في الأحكام والتشريعات، وكما درس لنا علم المكي والمدني الآيات التي نزلت في كل مرحلة وخصائصها، فإن علم الناسخ والمنسوخ هو العلم الذي أولى اهتماماً بالغاً لدراسة الآيات التي حوت هذه الأحكام ووثّق لنا تسلسلها.

ولفظة النسخ في اللغة تأتِ في عدة معانٍ منها:

  • الإزالة: كقوله تعالى: ((فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ)).
  • التبديل: كقوله تعالى: ((وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ)).
  • النقل من موضع لآخر من قوله تعالى: ((إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)).

وقد ورد معنى النسخ في القرآن ((مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا))، فالنسخ هنا: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي.
ويكون النسخ: السنة بالقرآن كما نُسخ صيام عاشوراء الثابت بالسنة بما نزل في القرآن من فرضية الصيام رمضان.
ولا يتصّور نسخ القرآن بالسنة، فمهمة السنة متعاضدة مع القرآن لا معارضة له.
وهناك نسخ السنة بالسنة، حيث يحمل تدرجاً بالأحكام كما تدرجت آيات القرآن.

ونحن هنا نتحدث هم نسخ القرآن بالقرآن، ومما لا خلاف فيه وجوده في القرآن الكريم، لكن الاختلاف في عدد مواضعه وفي الفرق بينه وبين أحكام أُخرى، كالتخصيص والنَساء وغيره، كالاستثناء ((إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا..)).

والبداء أن يبدو له رأي ثم يغيّره وهو لا يصح.

والتخصيص في آية عامة، تأتي آية تخصص بها بعض الأفراد.
قصر العام على بعض أفرداه، مثال: ((وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا)) خصصه قول النبي (لا قطع إلّا في ربع دينار)).

والنَساء: تأخير البيان حتى وقت الحاجة (تحريم الخمر).

وقد بالغ بعض العلماء في تتبع آيات النسخ، حتى أن بعضهم قطّع أوصال الآية الواحدة، فزعموا أن أولها منسوخ وآخرها ناسخ، كقوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ ۖ لَا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ))، فاعتبروا أن آخرها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نسخ أولها ((عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ)).

ومنهم من رأى أن قوله تعالى: ((خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ))، أولها وآخرها منسوخان وأوسطها محكم.
وهي من المبالغات، والله أعلم.

هذا وإن النسخ يأتي على ثلاثة أضرب:

  • نسخ الحكم دون التلاوة، ولا ضير من الشواهد مهما كَثُرت، فهي لحكمة تربوية كما أسلفنا.
  • نسخ التلاوة دون الحكم، مثل: (خمس رضعات مشبعات يحرّمن).
  • نسخ التلاوة والحكم، وكم نسخوا بآية السيف من أحكام.

وهنا لم يعتمد العلماء على أخبار الآحاد في إثباتها أو نفيها، بل لا بدّ من التواتر.
بنص صريح عن الرسول أو عن صحابي، كقوله: (آية كذا نسخت كذا).

وبين من رأى من العلماء أن من أصل 144 سورة في القرآن هناك:

  • 43 سورة ليس فيها ناسخ ولا منسوخ.
  • 6 سور فيها ناسخ.
  • 40 سورة فيها منسوخ.
  • 31 سورة فيها ناسخ ومنسوخ.

ومنهم كالسيوطي حصر النسخ في 21 آية، ثم استثنى آيتين، فأصبحت 19 آية، والله أعلم.

وهذا من جهود العلماء في البحث والدراسة والارتباط.

العودة للفهرس

الفصل السّادس: لمحة عن فواتح السّور

مرّ معنا أنّ من خصائص السّور المكّيّة حروف التّهجّي الّتي افتتح الله بها بعض سور القرآن الكريم، وقد وردت هذه الحروف في عدّة صيغ منها:

  • المكوّن من حرف واحد وعددها (3) سور هي: ص، ق، ن.
  • وعشر سور مؤلّفة من حرفين: (7) منها بدأت ب (حم) و (طس) و (طه) و (يس).
  • ومنها المكوّن من (3) حروف في (13) سورة: (الم) (6) مرّات، و(5) مرّات (الر)، و(طسم) مرّتان.
  • وسورتين بدأت ب (4) حروف (المص)، (المر).
  • وواحدة بخمسة حروف (كهيعص).

بما مجموعه (29) موضعاً على (13) شكلاً وهي من غير تكرار (14) حرف أي نصف حروف التهجّي.

لذلك قال المفسّرون أنّها جاءت لتدلّ على القرآن الكريم مقطّعاً مفرداً أو مؤلّفاً مجتمعاً معجز، ولا يستطيع المشركون الإتيان بمثله.

وقد انتصر لهذا الرّأي من المفسّرين الزّمخشري والبيضاوي وابن تيميّة والمزّي، بل يرون أنّ القرآن حوى من كلّ جنس من الحروف نصفه فـ:

  • من حروف الحلق (3) من (6).
  • ومن المهموس (5) من (10).
  • ومن المجهورة (9).
  • ومن الشّفتين (1) من (2).

وأنّها ذكرت تارةً حرفين حرفين وتارةً ثلاثة وأحياناً أربعة وخمسة كتراكيب الكلام، غير أنّ الاعتقاد بأزليّة هذه الحروف جعل كثيراً من أهل العلم يقفون عندها ولا يكثرون الخوض في تفسيرها كما قال الشّعبي (سرّ هذا القرآن) وقول عليّ بن أبي طالب: “إنّ لكلّ كتاب صفوة وصفوة هذا الكتاب حروف التّهجّي”، وقول أبي بكرا الصّدّيق: “في كلّ كتاب سرّ وسرّه في القرآن أوائل السّور”، ونُقل عن ابن مسعود وغيره: “أنّ هذه الحروف علم مستور وسرّ محجوب استأثر الله به”.

ورغم ما يحيط بتفسيرها من سرّيّة إلّا أنّ نظريّات عديدة طُرحت في تفسيرها منها: حساب الجُمَّل وهي طريقة لحساب واستخراج معلومات معيّنة عن هذه الحروف كما ذكر السّهيلي والخويبي عن بعض أهل العلم أنّهم حسبوا منها بقاء هذه الأمّة، ومتى يفتح المسلمون بيت المقدس كما وقع (583) هـ، ومنهم كالشّيعة الّذين رأوا أنّها تدلّ إذا حذف التّكرار على (صراط عليّ حقٌّ نمسكه)، فردّ عليهم بعض أهل السّنّة بذات الحروف (صحّ طريقك مع السّنّة)، كما هو بمعروف بحساب أبي جاد الّذي شدّد العلماء على إنكاره والزّجر عنه كابن حجر العسقلاني الّذي يعتبره باطلاً لا يجوز الاعتماد عليه وقول ابن عبّاس: “أن حساب أبي جاد ضرب من السّحر لا أصل له في الشّريعة”.

ومنهم من قال: “أعلم أنّ مبادئ السّور المجهولة لا يعلم حقيقتها إلّا أهل الصّور المعقولة”، كابن العربيّ صاحب الفتوحات المكّيّة، فجعلها الله تبارك وتعالى تسعاً وعشرين وهو كمال الصّورة ((والقمر قدّرناه منازل))، وأنّها على تكرار الحروف (78) حرفاً وهي حقيقة البضع (الإيمان بضع وسبعون)، فلا يُكمل عبد أسرار الإيمان حتى يعلم حقيقة هذه الحروف في سورها.

وهذه الآراء تعتمد على أذواق أصحابها ومواجيدهم ولا تستطيع الاعتماد عليها في التفسير، ومنهم من قال أنّها حروف مأخوذة من أسماء الله تعالى كما ورد عن ابن عبّاس وغيره (الر) أنا الله أرى، و (كهيعص) كريمٌ هادٍ حكيمٌ عليمٌ صادقٌ أو أنّها تجمع (الرّحمن) ويرى المستشرقين (كشرنجر) أن (طسم) هي إشارة لقوله: ((لا يمسّه إلا المطهّرون)) ويؤيّده في هذه التّفاسير (بلاشير) في كتابه المدخل إلى دراسة القرآن والمستشرق (لوث) الّذي تابع كشرنجر في رأيه العقيم، لكن أغرب هذه الآراء وأبعدها عن الحقّ والصّواب ما ذكره المستشرق الألماني (نولدكه) أنّها حروف دخيلة على القرآن قد تكون دلالة على أسماء الصّحابة الّذين كتبوها فالسّين من سعد بن أبي وقّاص والميم من مغيرة والهاء من أبي هريرة، وتحمّس لهذه النّظريّة كلّاً من (بُهل وهرشفيلد)، لكن عارضهم المستشرق (بلاشير) ورأى في آرائهم لغو وعبث وأعلن: “أنّ المسلمين الأتقياء الّذين كانوا يرون من العبث كل محاولة لاختراق أسرار هذه الفواتح القرآنيّة أثبتوا بما لا يدعُ للشكّ أنّهم وحدهم العقلاء الحكماء”.

ومن أهل العلم من قال إن بعض السّور القرآنيّة تفتتح بهذه الحروف كما تُفتتح القصائد عند العرب للتنبيه لكن بطريقة تميّز القرآن عن الشّعر فلم تفتتح ب كلّا أو ألا، وقد ذكر هذا الرّأي من التّابعين مجاهد رحمه الله، ثمّ زاد الخويبي أنّها قد تكون لتنبيه النّبي عند نزول الوحي فيقبل ويصغي إليه غير أنّ السّيّد رشيد رضا صاحب تفسير المنار المشهور استبعد أن تكون تنبيهاً للنبي، إنّما هو للمشركين في مكّة ولأهل الكتاب في المدينة كما قال.

وذلك أنّ الإمام الرّازي في تفسيره الكبير ذكر في تفسير قوله تعالى: ((لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلّكم تغلبون)) أن يورد عليهم مالا يعرفونه ليكون سبباً لإسكاتهم واستماعهم وانتفاعهم، وقد اعتمد ذلك وأشار إليه الزّركشي والسّيوطي وابن جرير وابن كثير رحمهم الله.

ونعود لتعبير رشيد رضا حيث يقول: “من حسن البيان وبلاغة التّعبير الّتي غايتها إفهام المراد مع الإقناع والتّأثير فينبّه المتكلّم والمخاطب إلى مهمّات كلامه والمقاصد الأولى بها”.

ويمكن أن نرى أنّ أغلب هذه السّور المُفتَتَحة بحروف التهجّي أنها كانت، فنرى بعدها موضوعات محدّدة تتعلّق بذكر الكتاب أو الوحي والنّبوّة، وتبقى هذه الفواتح من عوامل الاستغراب، ولا يخلق الاستغراب إلّا الاهتمام، ولا يثير الاهتمام إلّا التّنبيه، ولن ينبّه النّاس ويقرع أسماعهم صوت أحلى وقعاً من هذه الحروف المقطّعة الأزليّة الّتي همستها السّماء في أذن الأرض.

ونحن نتعلّم كدعاة أهمّيّة حسن البيان والاهتمام بالإفهام وجذب انتباه المستمعين.

العودة للفهرس

الفصل السّابع: علم الرّسم القرآني

من القضايا التي تناولها الباحثون في علوم القرآن ودرسوها علم الرسم القرآني، وهو ما كُتب على زمن عثمان بن عفان ويحتمل الأحرف السبعة التي نزل فيها القرآن، حيث زعم فريق منهم أنه رسم توقيفي أي من قبل النبي صلى الله عليه وسلم، ونقل هذا الرأي علماء أمثال ابن المبارك في كتابه “الإبريز” عن شيخه عبد العزيز الدباغ.

وعللوا ذلك أن رسم القرآن معجز كما نظمه، وأنه لا يهتدي أحد لمعرفة سر كتابة الألف في (مائة) دون (فئة)، وزيادة الياء في (بأييد) و(بأبيكم)، ولما وُضعت ألف في (سَعَوا) في سورة الحج دون (سَعَو) في سورة سبأ، ومثلها في (عَتَوا) في سورة (الأعراف) دون (عَتَو) في سورة الفرقان، وغيرها الكثير.

وقالوا هي أسرار إلهية لا يُطّلع عليها إّلا بالفتح الرباني، فلعلها لأنه لا تشبه قدرة البشر في البناء (بِأَيْيْدٍۢ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ)، لأن كل زيادة في المبنى تدل حتماً على زيادة في المعنى.

وذهب فريق آخر إلى ضرورة احترام الرسم العثماني واستحسان الالتزام به دون القول أنه توقيفي إنما حرصاً على توحيد الأمة وعدم اختلافها.
فهذا الإمام أحمد يقول: “تحرم مخالفة مصحف عثمان”، والإمام مالك يؤكد على ضرورة أن يُكتب على الكَتَبة الأولى.
وتجرأ غيرهم أمثال القاضي أبو بكر الباقلاني فقال: “أنه لم يفرضِ الله على الأمة في الكتابة شيء، فليس في نصوص الكتاب ولا مفهومه أن رسم القرآن وضبطه لا يجوز إلا على وجه مخصوص”.

ولعل الرأي الأصوب، والله أعلم؛ ما اقترحته مجلة الأزهر أن ينبّه في ذيل كل صفحة من صفحات المصحف على الألفاظ المخالفة للاصطلاح الحديث في الخط والإملاء.
وبذلك لا نُلغي الرسم العثماني القديم، وهو رمز ديني اجتمعت عليه الأمة، ولا نترك قواعد الكتابة المتعارف عليها، فيندرس العلم ويذهب.

العودة للفهرس

الفصل الثّامن: علم التفسير

مرّ معنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان المرجع الأول لتفسير القرآن الكريم، وأخذ عنه كبار الصحابة تلك المهمة، أمثال: الخلفاء الأربعة والعبادلة الأربعة وأُبيّ وزيد وأبو موسى ليتلقى عنهم ثلة من كرام التابعين، أمثال: مجاهد وعطاء وعكرمة وابن جبير وطاووس، وعنهم أخذ سفيان بن عُيينة ووكيع وشعبة ويزيد بن هارون.

وتفسيرهم هو الأعلى صحة والأقوى حجة فهو تفسير القرآن بالقرآن وبالسنة والحديث، والذي عُرف بعد ذلك التفسير بالمأثور.

ثم ظهر التفسير بالرأي بين محرّم له ومجوّز له؛ لأن الجزم بأن مراد الله من تلك الآية كذا أمر لا يستطيع أحدٌ ادعاؤه، ويُراعى فيه:

  • أولاً: النقل عن رسول الله.
  • ثانياً: الأخذ بقول الصحابي لأن له حكم المرفوع.
  • ثالثاً: الأخذ بمطلق اللغة.
  • رابعاً: الأخذ بما يقتضيه الكلام.

وهناك التفسير الإشاري الذي يؤول الآيات على غير ظاهرها، مما يفهمه أهل العلم واللغة.

لتسعى علوم القرآن (الرسم، القراءات، أسباب النزول، المحكم والمتشابه، المكي والمدني) معاً لكشف أوجه الإعجاز في القرآن الكريم من كل زواياها.

  • جزالة الألفاظ. –   صياغة التراكيب.
  • التشبيهات والصور. –   المجاز والكناية والاستعارات.
  • النغم والجَرس.

وهي كلها الإعجاز البياني.

وهناك الإعجاز العددي، والإعجاز العلمي.

العودة للفهرس

الفصل التّاسع: علم القراءات وتاريخ القرّاء

مرّ معنا أن القرآن الكريم كان يتنزّل بواسطة الوحي الأمين على قلب سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يعلّمه للصحابة الكرام، ليحملوا هذا النور في صدورهم، ثم يكتبوه في سطورهم لينتقل هذا القرآن العظيم المعجز من جيل إلى جيل، محفوظاً بحفظ الله له، وهو القائل: ((إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)).

وكانت من صور حفظ الله لكتابه أن هيأ له رجالاً يحملون أمانته في كل عصر، ويؤدونها حق الأداء بنقلها إلى الجيل الذي بعدهم.

ومرّ معنا أن القرآن الكريم نزل على سبعة أحرف، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقلنا أنه لا يعني وجوب الالتزام بهذه الأوجه السبعة في الكلمة الواحدة، فقد يكون في كل كلمة على حده وجهان أو أكثر، وقد يكون فيها وجه واحد فقط، وأنها لا تخرج عن سبعة في جميع مفردات القرآن، وقد اجتمعت عملياً مختلف القراءات التي أقرّها رسول الله وانتهى العلم بها إلينا، المأخوذة بالتواتر.

ليأتي علم جديد من علوم القرآن يسمى علم القراءات، لتحتوي هذه الأحرف السبعة وتنقلها لنا من خلال عدة درجات من حيث الصحة والقوة، فهناك قراءات:

  • متواترة: وهو ما رواه جمع لا يمكن تواطؤهم على الكذب.
  • المشهور: ما رواه العدل الضابط عن عدل ضابط.
  • ما صح سنده وخالف الرسم أو العربية.
  • الشاذ: ما لم يصح سنده.
  • الموضوع: ما لم ينسب إلى قائله من غير أصل.
  • ما يشبه المدرج من أنواع الحديث.

لذلك وضع العلماء شروطاً للقراءات المقبولة، وهي:

  • موافقتها لرسم أحد المصاحف العثمانية.
  • موافقتها للعربية.
  • صحة إسنادها، واشترط بعضهم تواترها.

وقد اشتهرت في رأس المئتين (بعد 200هـ) قراءات دون قراءات، وأقبل الناس على تعلمها وتعليمها، حيث قام ابن مجاهد على رأس الثلاث مئة للهجرة في بغداد بجمع أشهر سبع قراءات (وهو مسبع السبعة).

فاشتهرت في مكة قراءة عبد الله بن كثير الواري (المتوفي سنة 120هـ) والذي أخذ القرآن عن أنس بن مالك والزبيّر بن العوام وأبو أيوب.

وفي المدينة قراءة نافع بن عبد الرحمن (المتوفي سنة 169هـ) الذي تلقى عن سبعين من التابعين أخذوا عن أُبيّ بن كعت وعبد الله بن عباس وأبي هريرة.

وفي الشام قراءة عبد الله اليحصبي المشهور بابن عامر (المتوفي سنة 118هـ) الذي لقي وأخذ عن النعمان بن بشير وقيل عثمان بن عفان أو عمن أخذ عن عثمان.

وفي البصرة قراءة أبو عمرو وهو زيّان بن العلاء (المتوفي سنة 154هـ) الذي روى عن مجاهد وابن جبير.
ويعقوب وهو إسحق الحضرمي (المتوفي سنة 205هـ).

وفي الكوفة قراءة حمزة وهو ابن حبيب الزيّات (المتوفي سنة 188هـ) الذي قرأ على سليمان بن مهران الأعمش على يحيى على عليّ وابن مسعود.
وعاصم أبو النجود الأسدي (المتوفي سنة 127هـ) الذي قرأ على زر بن حُبيش على ابن مسعود.

وليس من هؤلاء العرب إلا ابن عامر وأبو عمرو.

وأضافوا لها قراءة خلف بن هشام (المتوفي سنة 229هـ).
قراءة يزيد بن القعقاع المشهور بأبي جعفر (المتوفي سنة 130هـ).
قراءة الكسائي علي بن حمزة (المتوفي سنة 110هـ).

وزادوا عليها قراءة الحسن البصري (المتوفي سنة 110هـ).
ابن مُحيصن.
يحيى بن المبارك اليزيدي
الشنبوذي.

لتكتمل القراءات الأربعة عشر المعروفة.

فالقراءات هي توقيفية، متواترة بطريق المشافهة والسماع، ويُستثنى منها ويردّ عنها كل ما خالفها أو شذّ عنها.
واعتبرها توضيحات وتفسير لا قراءة ثابتة عن رسول الله.

كقراءة ابن مسعود (والسارق والسارقة فأقطعوا أيمانهما) بدلاً من (أيديهما) لمعرفة حد القطع في السرقة.
وقراءة سعد بن أبي وقّاص (وله أخ أو أخت من أم) فصرّحت بنوع الأخوّة.
وهذه القراءات لا يجوز الصلاة بها لأنها ليست متواترة.

ومما صح سنده وخالف الرسم العثماني أو العربية (لقد جاءكم رسول من أنفَسكم).
والشاذ مما لم يصحّ سنده كقراءة (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلَفك آية).
والمدرجة كما في قراءة ابن أبي وفاض (من أم) أو (ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلاً من ربكم (في مواسم الحج)).

ولا يسمى قارئ القرآن مُقرئاً حتى ولو حفظ العشر كلها والأربع عشر، إلّا إذا أحكمها بالسماع والمشافهة.

العودة للفهرس

الخاتمة

قصة حمزة الزيات لمعرفة فضل أهل القرآن ورجال علوم القرآن الكريم

حَبر القرآن:

يُكنى أبا عمار، مولى آل عكرمه بن ربعي التميمي، كان يجلب الزيت من الكوفة إلى حلوان، ويجلب من حلوان الجبن والجوز إلى الكوفة. وكان صاحب قرآن وسنة وفرائض. قال أبو المنذر يعلى بن عقيل: كان الأعمش إذا رأى حمزة قد أقبل، قال: هذا حَبر القرآن.

الرجل الربّاني:

قال خلف بن هشام البزاز: قال لي سليم بن عيسى: دخلت على حمزة بن عمارة الزيات فوجدته يمرغ خديه في الأرض ويبكي، فقلت: أعيذك بالله. فقال: لماذا استعذت؟ رأيت البارحة في منامي كأن القيامة قد قامت وقد دعي بقرّاء القرآن فكنت فيمن حضر، فسمعت قائلاً يقول بكلام عذب: لا يدخل عليّ إلا من عمل بالقرآن. فرجعت القهقرى، فَهُتِف باسمي: أين حمزة بن حبيب الزيات؟ فقلت: لبيك داعي الله، فبدرني ملك فقال: قل لبيك اللهم. فقلت: لبيك كما قال لي: فأدخلني داراً فسمعت فيها ضجيج القرآن، فوقفت أرعد، فسمعت قائلاً يقول: لا بأس عليك، أرق واقرأ، فأدرت وجهي فإذا أنا بمنبر من درٍ أبيض، دفّتاه من ياقوت أصفر، مَراقيه من زبرجد أخضر، فقال لي: ارقَ اقرأ، فرقيت، فقال لي: اقرأ سورة الأنعام، فقرأت وأنا لا أدري على من اقرأ. حتى بلغت الستين آية، فلما بلغت ((وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)) قال لي: يا حمزة، ألست القاهر فوق عبادي؟ فقلت: بلى. قال: صدقت، اقرأ، فقرأت حتى ختمتها.

ثم قال لي: اقرأ، فقرأت الأعراف حتى بلغت آخرها. فأومأت إلى الأرض بالسجود، فقال لي: حسبك ما مضى، لا تسجد يا حمزة. من أقرأك هذه القراءة؟ فقلت: سليمان، قال: صدقت، من أقرأ سليمان؟ قلت: يحيى. قال: صدق يحيى، على من قرأ يحيى؟ فقلت: على أبي عبد الرحمن السلمي. قال: صدق أبو عبد الرحمن السلمي، من أقرأ أبا عبد الرحمن؟ فقلت: ابن عم نبيك علي. فقال: صدق علي، فمن أقرأ علياً؟ قلت: نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. قال: ومن أقرأ نبيّي؟ قال: قلت: جبريل عليه السلام. قال: ومن أقرأ جبريل؟ قال: فسكت. فقال: يا حمزة، قل: أنت. قال: فقلت: ما أجسر أن أقول، فقال: فقلت: أنت. قال: صدقت يا حمزة.

وحق القرآن، لأكرمن أهل القرآن، لا سيمها إذا عملوا بالقرآن. يا حمزة: القرآن كلامي، وما أحب أحداً كحبي أهل القرآن. أدن يا حمزة، فدنوت، فضمخني بالغالية -نوع من الطيب- وقال: ليس أفعل بك وحدك، قد فعلت ذاك بنظرائك ممن فوقك ومن دونك. ومن أقرأ القرآن كما أقرأته لم يُرد بذلك غيري. وما خبأت لك يا حمزة عندي أكثر. فأعلم أصحابك بمكاني من حبي لأهل القرآن وفعلي بهم. فهم المصطفون الأخيار. يا حمزة: وعزتي وجلالي، لا أعذب لساناً تلا القرآن بالنار، ولا قلباً وعاه، ولا أذناً سمعته، ولا عيناً نظرته. فقلت: سبحانك سبحانك، وأّنّي ترى؟ فقال: يا حمزة أين نزار المصاحف؟ فقلت: يا رب أحفّاظ هم؟ قال: لا ولكنني أحفظه لهم حتى يوم القيامة، فإذا لقوني رفعت لهم بكل آية درجة.

ثم قال حمزة لسليم بن عيسى الذي روى عنه هذه الرؤيا: أفتلومني أن أبكي وأتمرغ في التراب؟

الكوكب الدرّي:

قال أبو مسحل: رأيت الكسائي في النوم كأنه وجهه البدر. فقلت: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي بالقرآن. فقلت: ما فعل الله بحمزة الزيات؟ قال: ذلك في عليين، ما نراه إلا كما يُرى الكوكب الدرّي.
رضي الله عنه، ورحمه الله رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جنانه في الفردوس الأعلى، ورزقنا ما كان عليه من التزام القرآن وآدابه والعمل بأحكامه.

العودة للفهرس

للتحميل

جميع الحقوق محفوظة 2024 © سبيلي
Scroll to top Scroll to top Scroll to top